لماذا تهوى بعض الأنظمة العربية الشقاق؟: من فشل التنمية إلى وهم العدو الجار

لماذا تهوى بعض  الأنظمة العربية الشقاق؟: من فشل التنمية إلى وهم العدو الجار
مقالات رأي / الخميس 23 أكتوبر 2025 - 09:58 / لا توجد تعليقات:

تهنئه بمناسبه ذكرى عيد الشباب المجيد

بقلم : د.محمد احدو

 إن المشهد العربي الراهن، الذي يهيمن عليه الخلاف والشقاق بين الكثير من  الأنظمة، يشكل لغزاً مؤلماً. كيف يمكن لجماعة من الدول تتقاسم وشائج الدين والتاريخ والثقافة واللغة أن تهوي بهذا الإصرار نحو التناحر، وأن يتحول منسوب الأخوة فيها لدى بعض الانظمة الجارة  إلى حقد يمتد عبر الأجيال؟ إن الإجابة عن هذا التساؤل تكمن في جوهر أزمة البنية السياسية والاجتماعية الداخلية، والتي تجعل من الخلافات الخارجية والمفتعلة في الكثير منها ، وسيلة للنجاة.

​إن السبب العميق وراء هذا النكوص يكمن في فشل بعض الأنظمة في تحقيق التنمية الشاملة  لشعوبها. فبدلاً من معالجة الأزمات الداخلية المستعصية، كأزمة الشرعية السياسية، وسوء توزيع الثروات، وتراجع مستويات التعليم والخدمات، يُصبح الأسلوب الأكثر يسراً هو تصدير الأزمة وتوجيه أصابع الاتهام نحو الجار أو "الأخ". يتم استخدام آليات التنشئة والتعليم  خصوصا لتغذية هذا الانغلاق، فتُصوَّر الأوطان "الشقيقة" كـ مصدر تهديد وليس كعمق استراتيجي، وتُغرس مفاهيم الانعزال القطري الضيق بدلاً من روح المواطنة العربية الجامعة وتحقن الاجيال في مدارسها بالاحقاد لجيرانها من بني جلدتها  . هذا التوظيف الانتقائي للخطاب يخدم غاية واحدة: التغطية على الفشل الداخلي  وإلهاء الشعوب عن المطالبة بالحق في النماء والتطور الحقيقي.

​إن النظر إلى تجربة الوحدة الأوروبية يقدم درساً حضارياً لا يمكن إغفاله. ففي قارة شهدت أهوال الحربين العالميتين الأولى والثانية، وسالت فيها أنهار من الدماء وخلفت ملايين القتلى والأيتام، على الرغم من أن عوامل الوحدة العرقية والدينية هي  أقل تماسكاً مما هي عليه في العالم العربي، اختار القادة الانتصار للمستقبل. لقد أدركوا أن السلام الاقتصادي هو الطريق الوحيد لضمان السلام الدائم. فبعد الدمار، أسست هذه الدول تكتلاً بدأ بـ التكامل الاقتصادي، حيث حقق الاقتصاد من التوحد والتكامل ما لم تستطع السياسة تحقيقه بمفردها. كان القرار حاسماً: حقن الدماء والتوجه نحو بناء مستقبل مشترك يقوم على المصالح المتبادلة والرخاء الجماعي.

​لقد آن الأوان لدى بعض الأنظمة العربية أن تعي أن العروبة ليست مجرد شعار قومي أو إحساس عاطفي يُستغل في المناسبات ودغدغة مشاعر القومية الزائفة  . بل هي واقع وجودي ينبغي أن يؤسس على الاحترام المتبادل لحق الشعب العربي في العيش الكريم والتنمية المستدامة.

إن القواسم المشتركة التي يمتلكها العالم العربي، من دين ولغة وتاريخ، تمثل إمكانية هائلة لتأسيس نموذج تكاملي ناجح يفوق أي تكتل إقليمي آخر وهو مااكده الكاتب والفيلسوف الأمريكي " فرانسيسكو فوكوياما" في كتابه " نهاية التاريخ " عبر تحليل واضح  .

 فالخروج من دوامة الشقاق يتطلب شجاعة سياسية للنظر إلى الداخل، ومعالجة أزمة الشرعية والتنمية، وتحويل ثقافة  التنافس السلبي إلى ثقافة التكامل البناء.

عندها فقط، يمكن لهاته الأنظمة أن تتحرر من وهم التهديدات الخارجية التي تغذيها  وتفتعلها من الداخل، وتبدأ في بناء كيان عربي قوي يضمن الاستقرار والازدهار للأجيال القادمة. التاريخ لا يرحم ووثيرة التطور الهائل  التي يشهدها العالم لن تنتظر احدا للاستفاقة من سبات التخلف  .

لا توجد تعليقات:

للأسف، لا توجد تعليقات متاحة على هذا الخبر حاليًا.

أضف تعليقك