
بقلم : مصطفى شكري
منذ استقلال
المغرب سنة 1956، كان من المفترض أن يكون حزب الاستقلال رمزًا للوطنيّة والمقاومة،
وأن يتحمل مسؤولية بناء الدولة الحديثة، بما في ذلك تطوير قطاع التربية والتعليم
ووزارة الشباب والرياضة. لكن الواقع أثبت العكس، إذ سرعان ما تحوّل الحزب، الذي
يُفترض أن يكون قوة وطنية، إلى حزب انتهازي وزبوني يستفيد من قربه من المخزن
لتوزيع المناصب والامتيازات، وتثبيت نفوذه في مفاصل الدولة، بما فيها المجالات
التعليمية والشبابية والاجتماعية، لتصبح هذه القطاعات أرضًا خصبة للزبونية
والمحسوبية، بعيدًا عن مصلحة المواطن والكفاءة الحقيقية.
في حكومات
متعددة، بدءًا من حكومة عباس الفاسي وصولًا إلى آخر الحكومات، سيطر الاستقلاليون
على المناصب العليا في وزارة التربية الوطنية ووزارة الشباب والرياضة، واحتكروا
التعيينات الإدارية من المديريات المركزية إلى المندوبيات الجهوية، بحيث أصبح كل
قرار إداري مرتبطًا بالولاء الحزبي وليس بالكفاءة المهنية، فيما المواطن البسيط
يظل في مواجهة ضعف التعليم ونقص الكفاءات وانتشار الممارسات غير القانونية في
التوظيف والترقيات.
لقد صارت
وزارة التربية الوطنية أرضًا خصبة للتوظيف الحزبي والمحسوبية، حيث تهيمن القيادات
الحزبية على جميع المناصب المهمة، بينما يتم إقصاء الأكفاء الحقيقيين. حتى المناهج
والبرامج التعليمية لم تسلم من النفوذ الحزبي، إذ كثيرًا ما تم توظيفها لتعزيز
أهداف الحزب وصورته على حساب جودة التعليم ومستوى المعلمين، مما أدى إلى تراجع
فعلي في أداء المؤسسات التعليمية وانتشار شعور الإحباط بين المدرسين والطلاب على
حد سواء.
فضائح التوظيف
الوهمية، مثل فضيحة “النجاة” في عهد حكومة عباس الفاسي، لم تقتصر على قطاع التشغيل
أو الشباب، بل انعكست بشكل مباشر على قطاع التعليم، من خلال ترسيخ ثقافة المحسوبية
والولاء الحزبي داخل المؤسسات التعليمية، حيث كانت الأطر التي تربطها قرابة أو
ولاء بالحزب تتقدم على الكفاءات الحقيقية، لتصبح جزءًا من شبكة الزبونية التي حولت
الوزارة من مؤسسة تعليمية وطنية إلى ملحقة حزبية لخدمة مصالحها الخاصة، بحيث أصبح الموظف
المخلص والمجتهد في الغالب خارج دائرة الترقية والتقدير.
لم تقتصر
الظاهرة على التربية فقط، بل شملت وزارة الشباب والرياضة، التي تحولت إلى ملعب
حزبي للاستقلاليين، فقد استغل الحزب كل مستويات الوزارة، بدءًا من المديريات
المركزية وصولًا إلى المندوبيات الإقليمية والجمعيات الشبابية لتعزيز شبكات الولاء
الحزبي والتأثير الاجتماعي والسياسي، بحيث أصبح النشاط الرياضي والثقافي
والاجتماعي موجهًا لخدمة مصالح الحزب وأبنائه، بدل أن يكون خدمة وطنية حقيقية
للشباب والمجتمع.
في كل جهة،
كانت التعيينات تخضع لاعتبارات حزبية أكثر من كونها مبنية على الكفاءة، والأسماء
التي تختارها الوزارة غالبًا ما كانت منتمية بالكامل للحزب أو من أقارب الزعماء
المحليين، حتى برامج الدعم المالي للمشاريع الشبابية كانت تُوجه وفق الولاءات
السياسية، بينما تُترك المبادرات المستقلة خارج دائرة التمويل والتطوير.
في جهة
الرباط-سلا-القنيطرة، سيطرت القيادات الحزبية على جميع المناصب الإدارية في
المديرية الإقليمية، وتمت ترقيات مدرسين وإداريين بناءً على الولاء الحزبي لا
الأداء، وهو ما أدى إلى شعور المدرسين بالإقصاء وعدم المساواة. على مستوى المدارس،
مثل مدرسة ابن خلدون الابتدائية والمتوسطة التأهيلية بسلا، تم تعيين مدراء
ومسؤولين إداريين منتمين للحزب، بينما بقي الأكفاء المستقلون في الخلف، وهو ما أثر
على جودة التدريس وتسيير المؤسسة. وفي وزارة الشباب، تم توظيف عشرات المستشارين
الشباب في الجمعيات الرياضية بتمويل من الوزارة، مثل جمعية الشباب الرياضي بالرباط
وجمعية الأمل للشباب بالقنيطرة، عبر آليات حزبية، تاركة المبادرات المستقلة خارج
التمويل، وهو ما انعكس على فعالية المشاريع الرياضية والثقافية في هذه المناطق.
في جهة مراكش-آسفي، تم توظيف أعداد كبيرة من المستشارين الشباب في الجمعيات الرياضية والمشاريع الشبابية عبر آليات حزبية، بينما بقيت المدارس مثل ثانوية الحسن الثاني التأهيلية ومستوى الإدارات المحلية خارج دائرة التعيين الحزبي، وهو ما أدى إلى خلل في توزيع الموارد التعليمية والرياضية بشكل عادل.
في جهة
طنجة-تطوان-الحسيمة، سيطرة الحزب على المناصب الإدارية في جميع المديريات، وتم
تعيين العديد من الموظفين المرتبطين بالحزب في المدارس الابتدائية والثانوية، كما
تم توجيه الدعم المالي لمشاريع الشباب وفق الولاءات السياسية، تاركًا الكفاءات
المستقلة خارج التمويل والمشاريع، وهو ما أدى إلى تراجع مستوى المبادرات المحلية.
في جهة
فاس-مكناس، سيطرة الحزب على مديرييات التربية والتعليم والمندوبيات الجهوية، وتم
تعيين أكثر من 70% من رؤساء الأقسام والمسؤولين الإداريين منتمين للحزب، بينما بقي
المعلمون الأكفاء والمستشارون الشباب المستقلون خارج دائرة التأثير، وهو ما انعكس
على سير المؤسسات التعليمية والمبادرات الشبابية في المناطق القروية، مثل مدرسة
فاطمة الفهرية الابتدائية وثانوية محمد الخامس التأهيلية بفاس.
تشير الأرقام
التقريبية إلى أن أكثر من 60–65% من المناصب العليا في مديريات التربية والتعليم
والمندوبيات الجهوية للشباب والرياضة خلال السنوات الأخيرة كانت لشخصيات مرتبطة
بالحزب مباشرة أو بعائلاتهم، في حين بقيت الكفاءات المستقلة خارج دائرة التعيين
والترقيات، وهو ما يوضح حجم الزبونية الحزبية وتأثيرها على أداء المؤسسات، ويكشف
عن ثقافة الولاء الحزبي التي أصبحت معيارًا لتحديد التعيينات والترقيات بدل
الكفاءة الحقيقية.
حتى برامج
تطوير المناهج أو تعليم الأطفال في المناطق النائية غالبًا ما يتم توجيهها وفق
معايير حزبية، حيث يتم اختيار المسؤولين المحليين على أساس الولاء وليس الكفاءة،
مما يفسر جزئيًا لماذا لم يشهد التعليم المغربي والقاعات الشبابية القفزات النوعية
المرجوة رغم الميزانيات الكبيرة والمبادرات الحكومية المتكررة، وترك القطاع عرضة
للفشل والتراجع المستمر في جودة الخدمات المقدمة للمواطنين.
في النهاية
يظهر بوضوح أن الزبونية والانتهازية الحزبية أصابت قطاع التربية والتعليم ووزارة
الشباب والرياضة، وأنه عبر عقود من السيطرة على الحكومة والإدارة، تحولت هذه
القطاعات الحيوية إلى أدوات لخدمة مصالح الحزب وأبنائه، والإصلاح الحقيقي للتعليم
والشباب لن يتحقق إلا عبر فصل السياسة عن التربية والرياضة، واستعادة الكفاءة والنزاهة
الإدارية، والقضاء على المحسوبية الحزبية التي أصابت كل مفاصل هذه القطاعات،
واستمرار الوضع الحالي يعني أن الأجيال القادمة ستظل أسيرة الزبونية والانتهازية،
بينما يبقى مستقبل التعليم والشباب المغربي في خطر دائم، والوطنية مجرد شعار
يُستعمل لتغطية مصالح حزبية شخصية، في وقت يحتاج فيه الوطن إلى إدارة نزيهة قادرة
على حماية مصالح المواطنين وتطوير قدرات الأجيال القادمة.
لا توجد تعليقات:
للأسف، لا توجد تعليقات متاحة على هذا الخبر حاليًا.
أضف تعليقك