هزيمة إسرائيل في المغرب

هزيمة إسرائيل في المغرب
مقالات رأي / الأحد 12 أكتوبر 2025 - 13:53 / لا توجد تعليقات:

تهنئه بمناسبه ذكرى عيد الشباب المجيد

بقلم: مصطفى شكري

من كان يظن أن “المدّ الإسرائيلي” في المغرب، الذي رُوِّج له بعد اتفاقات التطبيع سنة 2020، سيصطدم بهذه السرعة بجدار الرفض الشعبي والارتباك الرسمي، لم يكن مخطئًا في قراءة الوجدان المغربي العميق. فبعد خمس سنوات من محاولات الاختراق الثقافي والإعلامي والسياسي، تبدو إسرائيل اليوم وقد مُنيت بهزيمة ناعمة في المغرب، لا تُقاس بالدبابات ولا بالصواريخ، بل بانهيار مشروعها الرمزي والمعنوي أمام وعيٍ جمعيٍّ لا يُشترى.

حين أعلنت الحكومة المغربية تطبيع العلاقات مع إسرائيل، رُوِّج للأمر باعتباره “فرصة استثمارية وتكنولوجية”، وبأن القضية الفلسطينية لن تتأثر. غير أن الشارع المغربي، الذي تربّى على شعارات “القدس لنا” و”الموت لإسرائيل”، لم يبلع الطُعم. فقد خرجت أصوات من مختلف التيارات — الإسلامية و، اليسارية، الحقوقية وحتى الثقافية — تُدين الخطوة وتعتبرها خيانةً لتاريخ المغرب المقاوم.

لم تمضِ سنوات قليلة حتى بدأت مؤشرات الرفض تظهر في كل القطاعات: فنانون يرفضون المشاركة في فعاليات تطبيعية، أساتذة يطردون الوفود الإسرائيلية من الجامعات، ونقابات تُدين أي شكل من أشكال التعاون الأكاديمي أو العسكري. ومع تصاعد الغضب الشعبي، برزت هزيمة ثانية موازية لهزيمة إسرائيل: هزيمة الأحزاب المغربية التي هرولت إلى التطبيع وتنكّرت للضمير الوطني.

سقطت العدالة والتنمية في اختبار المبادئ، حين وقع سعد الدين العثماني اتفاق التطبيع وهو يعلم أنه يُوقّع على شهادة وفاة مشروعه الإسلامي. حزبٌ رفع شعار "نصرة فلسطين" لسنوات، ثم خانها على الورق مقابل البقاء في الكراسي. أما عزيز أخنوش وحزبه التجمع الوطني للأحرار، فكانوا أول من رحب بالصفقة، وجعلوا من التطبيع تجارة سياسية واقتصادية. وبدل أن يحموا الكرامة المغربية، انشغلوا بحماية مصالح الشركات ورجال المال.

ولم يكن نبيل بنعبد الله وحزب التقدم والاشتراكية أفضل حالًا، فالتاريخ لن ينسى صمته المريب وتبريراته الباردة، وكأن فلسطين ليست جزءًا من القيم التقدمية التي يتغنى بها.

أما الاتحاد الاشتراكي بقيادة إدريس لشكر، فقد تحوّل من حزب كان يرمز يومًا للنضال والحرية إلى جهاز بيروقراطي بلا روح، لا مناضلين فيه ولا مواقف، سوى بيانات الخضوع والتبرير. حزب فقد بوصلة الشرف، وصار أقرب إلى أداة في يد السلطة منه إلى صوتٍ للشعب.

كل هذه الأحزاب، مجتمعة، تمثل اليوم الهزيمة الأخلاقية والسياسية للمشهد الحزبي المغربي، لأنها خانت وجدان الأمة واصطفت إلى جانب الكيان الصهيوني ضد مشاعر شعبها. والمغاربة الذين خرجوا بالملايين بعد 7 أكتوبر لقضية فلسطين، لم يخرجوا فقط ضد إسرائيل، بل ضد هذه الوجوه التي باعت مبادئها بأثمان بخسة.

منذ 7 أكتوبر 2023 إلى اليوم، تغيّر ميزان الصورة عالميًا. إسرائيل التي كانت تروّج نفسها كـ"ضحية" ظهرت أمام العالم كمجرم حرب، بينما برزت المقاومة كصوتٍ للكرامة الإنسانية. ومع كل يومٍ من العدوان على غزة، تتسع دائرة الوعي في العالم، ويقوى الموقف الشعبي في المغرب الذي لم يتوقف عن التظاهر والمطالبة بإغلاق المكتب الإسرائيلي.

بالرباط   وقطع العلاقات نهائيًا. ما حدث في شوارع الرباط والدار البيضاء وتطوان وغيرها لم يكن مجرد تضامنٍ عاطفي، بل تجديدٌ للعهد التاريخي بين المغرب وفلسطين. لقد خرج المغاربة بصدورهم المكشوفة يهتفون ضد الظلم، مؤكدين أن من يقف مع المقاومة يقف مع شرف الإنسانية كلها. لقد سقطت إسرائيل أمام المقاومة، وسقطت رمزيًا في المغرب أمام وعي الشعب وأمام تلك الجموع التي خرجت تقول: الحرية لفلسطين...

لا توجد تعليقات:

للأسف، لا توجد تعليقات متاحة على هذا الخبر حاليًا.

أضف تعليقك