
أنتلجنسيا المغرب: فهد الباهي/م.إيطاليا
في سنة 2025، الموافق 1447 هـ، ما زال جزء من المجتمع غارقًا في
أوحال الخرافة، يؤمن بأن "سيدي جابر مول الكنابر" قادر على شفاء المرضى،
وأن "لالة يطو" لي كتهزو وتحطو (البلاء
أو المرض) حسب المشاع تنعم بالشفاء على من يطلبه، بل ويُروّج أن أحفاد "مولاي
الخمار" ذالك "المسمار" قادرون على علاج الناس بقدرات..غيبية لا
أساس لها.
هذه الطقوس
التي تبدو في ظاهرها بريئة، تحولت إلى تجارة مربحة على حساب البسطاء، وأصبحت وسيلة
لبيع الوهم وتكريس الجهل وسط شعب عطش للعلم والمعرفة، وداخ في فقاعات المهرجانات
الماجنة الساقطة.
ولم تتوقف الخرافة عند حدود الحكايات، بل وصلت إلى ما هو أبشع،
نساء يلجأن إلى "الأولياء" طلبًا للذرية، فينتهي بهن الأمر إلى الوقوع
في براثن الاغتصاب والعار، ويُقال لهن إن "الولي" قد خرج من قبره
ليمنحهن الجنين، في مشهد شيطاني يربط بين الطهر والعهر، ويجعل من الضحية مجرد
وسيلة لإدامة الوهم.
وتلتزم الصمت
مكرهة خائفة من الفضيحة والعار.
هذه
الممارسات، التي تتلبس لباس الدين والبركة، لا علاقة لها بالإيمان الحق ولا
بالكتاب ولا بالسنة، بل هي طقوس شيطانية تبررها عقول مريضة مكبوتة ومصالح دنيوية.
الخطر الحقيقي ليس في تصديق هذه الخرافات فحسب، بل فيمن يموّلها
ويعطيها الشرعية حتى ولو بالصمت "عين شافت وعين ما شافت"، ويهدر
الملايين من أموال الشعب لإحياء ذكريات أموات لا يملكون لأنفسهم نفعًا ولا ضرًا،
حتى، المال العام يُصرف بسخاء على مواسم واحتفالات ومواكب وطقوس الدم والحناء
والبخور وأكل الشوك والزجاج في طقوس شيطانية لا شك فيها، في حين أن الأولوية يجب
أن تكون للبحث العلمي، وللمستشفيات والمدارس، ولما فيه خير البلاد والعباد.
ولعل أبرز مثال على هذا العبث، الزاوية البودشيشية التي تحولت
إلى ماكينة تخدير للعقول الضعيفة، حيث يُروى أن مريديها يشربون ماءً غُسلت فيه
أقدام شيخهم طلبًا للبركة، أي بركة في شرب القاذورات والأوساخ من قدم بشر؟
أي تقوى في
تبرير هذا الفعل الذي لم يفعله لا نبي ولا صحابي ولا حتى "أبا لهب" الذي
وُعد بجهنم، ومع ذلك كان صريحًا في كفره ولم يلبس ثوبًا من تقي ونفاق في آن واحد.
فـ"أبا لهب" في وضوحه كان أنقى من هؤلاء الذين يخلطون
الدين بالخرافة والمال بالنهب، ويستغلون عوز الفقراء وحاجتهم، هؤلاء لا يريدون سوى
السيطرة على العقول وسرقة الجيوب باسم البركة والدين، والخطورة تكمن في أنهم
يلبسون لباس القداسة بينما هم في حقيقتهم تجار بشر يبيعون الوهم كما يباع المخدر
في الأزقة.
يزعم أصحاب هذه الزوايا أنهم ينتسبون إلى الرسول صلى الله عليه
وسلم وكأنهم وحدهم ورثته في الأرض، بينما باقي الناس من أحفاد "النمرود"
أو "أبرهة".
أليس هذا
تضليلًا مقيتًا؟
أليس في هذا
تقسيم للمجتمع إلى سادة وعبيد باسم نسب مزعوم؟
إذا كان النسب
إلى الرسول هو معيار القداسة، فهل نسبنا نحن يعود إلى الطغاة والجبابرة؟
وهل يجعل ذلك
منكم أولياء صالحين فوق البشر؟
لقد أصبحنا نعيش زمنًا مقلوبًا، حيث يُرفع الجاهل المتاجر
بالدين، ويُهان العالم الصادق المتواضع، نرى وجوهًا مترفة تتورد خدودها من كثرة
ألوان الطعام، وتعلوها ابتسامات الشبع والترف، بينما العامة يتخبطون في الفقر
والحرمان، هؤلاء الذين يزعمون الزهد يعيشون في قصور تفوق قصور كهنة
"أمون"، يلبسون أفخر الحرير، ويختارون أجمل النساء من كل بقاع العالم
باسم الدين والتقوى.
أما عن الفضائح المالية، فحدّث ولا حرج، مواقع إخبارية نشرت
أخبارًا عن تحويل 700 مليون سنتيم من حساب الزاوية البودشيشية إلى حساب زوجة مريد
أجنبية تحمل الجنسية الإسبانية، فأي دين هذا الذي يبيح هدر الملايين في صفقات زواج
مشبوهة؟
أهي عبادة أم
تجارة مقنّعة؟
وكيف يُعقل أن
تُصرف أموال طائلة باسم الدين بينما المستشفيات تنهار والمدارس تفتقر إلى أبسط
التجهيزات؟
هذه الملايير التي تُصرف على بناء القصور الباذخة وإحياء
المواسم يجب أن تُحوَّل إلى البحث العلمي والتكنولوجي، إلى الجامعات والمختبرات
والمستشفيات.
هل يحتاج الله
إلى قصور من رخام وزخارف كي نقترب منه؟ ألم يقل عز وجل: "أدعوني أستجب
لكم"؟
فلماذا إذن
تُبنى إمبراطوريات مالية باسم الدين ويُفرض على الفقراء أن ينفقوا مدخراتهم في
أوهام البركة؟
ما يجري اليوم ليس دينًا ولا عبادة، بل مسرحية كبرى يُساق فيها
الناس كالقطعان، ويُمنح فيها الجهل لقب "ولاية"، وتُسمى السرقة
"تبركًا"، ويُسمى الخضوع "طاعة"، بينما الحقيقة أن الأمر لا
يعدو أن يكون مخدرًا جماعيًا، يسرق العقول قبل أن يسرق الجيوب.
لقد آن الأوان لكشف هذه الأقنعة، ووقف هذه الطقوس التي لا تورث
إلا الذل والجهل، آن الأوان لإعادة الدين إلى نقائه، ولتجريد العبادة من شوائب
التجارة والخرافة، لا وسيط بين العبد وربه، ولا حاجة لأموات ولا لزوايا ولا
لمريدين يتاجرون بالدموع والأحلام، إن الزوايا التي تُسمى اليوم "روحية"
ما هي إلا مؤسسات اقتصادية عملاقة تستغل الدين واجهة للنهب والثراء، إنها مصانع
للوهم، تبني أمجادها على عرق البسطاء، وتكبل عقول الناس بأغلال الطاعة العمياء.
وليس الهدف
فقط السيطرة الروحية، بل السيطرة المالية والسياسية أيضًا، فمن يملك عقول الناس
وجيوبهم يصبح أداة ضغط قوية تتحكم في القرار العام وتوجهه حيث يشاء، هكذا يتحول
الدين إلى مطية للسلطة، وتتحول الطقوس إلى أدوات حكم، كفى عبثًا، وكفى خداعًا،
وكفى تلاعبًا بعقول البسطاء، الله لا يحتاج إلى وسيط ولا إلى قصور ولا إلى
مهرجانات، الله يُعبد بالصدق والإخلاص، لا بالرياء والنهب، والله يُتقرب إليه
بالعلم والعمل الصالح، لا بالخرافة والأساطير.
إن السبيل
الوحيد للنهوض هو إغلاق هذه المصانع الوهمية وتوجيه الأموال نحو البحث والتعليم
والصحة. فالعلم وحده هو من ينقذ الشعوب، وليس الأولياء ولا الزوايا ولا أحفاد
"أبا لهب" الجدد. العلم ثم العلم ثم العلم، فهو السبيل إلى التحرر من
عبودية الخرافة وبناء مستقبل يليق بأمة كرّمها الله بالعقل.
لا توجد تعليقات:
للأسف، لا توجد تعليقات متاحة على هذا الخبر حاليًا.
أضف تعليقك