
بقلم : سعيد لكحل
أما بخصوص احتلال المغرب للمرتبة 130
عالمياً في تصنيف “الحرية الإنسانية” لعام 2024، الصادر عن معهد “إل كاتو”
الأمريكي ومعهد “فريزر” الكندي، فيكفي تصريح السيد عبد الكبير اخشيشن، رئيس
النقابة الوطنية للصحافة المغربية، للرد على الجامعي بأن “النقابة طالما انتقدت
مؤشرات المنظمات الحقوقية الدولية التي تعنى بحريات وحقوق الصحافة، إلا أننا نرحب،
خاصة، بتصنيف هذا العام لأنه مؤشر يوفر بيئة تحفزنا على العمل أكثر لتجويد الأوضاع
وتحسين ظروف الاشتغال داخل المؤسسات الإعلامية”. والواقعة المهمة التي تفند مزاعم
الجامعي هي تصنيف المغرب الأول في منطقة شمال إفريقيا والشرق الأوسط في مؤشر
الديمقراطية بعد إسرائيل. ولا شك أن تناسل المدونين والمؤثرين ونهشهم لأعراض
المواطنين والمسؤولين، إذ لم يسلم من بعضهم حتى جلالة الملك، لا يدل فقط على اتساع
حرية التعبير، بل على تفسّخها وتميّعها لدرجة لم تعد لها حدود ولا ضوابط، سواء
أخلاقية أو قانونية أو دينية.
5 ـ اعتبر الجامعي اعتقال المدونة سعيدة
العلمي والريسوني والراضي ورضوان قسطيط دلالة على "شراسة" تعامل النظام
مع منتقديه. والغريب أن الجامعي لم يكلف نفسه الاطلاع على تدوينات المعنيين ولا
الجرائم التي اقترفها الصحفيون المعنيون. والدليل هو أن النقابة الوطنية للصحافة
المغربية لم تتضامن مع المعنيين، بل اكتفت بالمطالبة بالمحاكمة العادلة كما في
قضية الريسوني حيث جاء في البلاغ: "النقابة الوطنية للصحافة المغربية، التي
تلتزم بالحفاظ على حقوق جميع الأطراف في هذه القضية، وتحترم سلطة القضاء وتثق في
قراراته، تؤكد أن الأفعال المنسوبة إلى الزميل كانت، ومازالت، في حاجة إلى مزيد من
التحقيق والتحري الدقيقين، من منطلق أن الجهة المشتكية تنسب وقائع تعود إلى فترة
ماضية".
6 ـ إن اعتقال سعيدة العلمي أو رضوان قسطيط
لا علاقة له بحرية الصحافة ولا بحرية التعبير. فالأولى كالت الشتائم لمسؤولين
حكوميين وقضائيين ناعتة إياهم بألفاظ وعبارات مأخوذة من قاموس الدعارة والمواخير.
فهل يقبل الجامعي على نفسه عبارة "التقحبين"؟ وهل تدخل هذه الكلمة ضمن
حرية التعبير؟ أما بخصوص رضوان قسطيط ، فقد تمت متابعته ليس بسبب مناهضته للتطبيع،
وإنما بسبب ما تضمنته تدوينته من تحريض على العنصرية والإرهاب. ولا بأس أن أعرض
عليك وعلى القراء الكرام مضمون التدوينة ولك أن تصنفها كما شئت: "الجميل في
عملية تل أبيب هو أنها بحول الله ستطلق حملة عنصرية مباركة واسعة ضد الخنازير المغربية
الإرهابية المقيمة في الأراضي المحتلة، وأيضا ضد الكلاب المقيمة في المغرب
المتملقة للخنازير". لعلمك أن النظام لو أراد محاكمة مناهضي التطبيع لحاكم
أعضاء الهيئات التي تم تشكيلها تحت أسماء تلتقي عند مناهضة التطبيع. فلا أحد منهم
تم اعتقاله أو محاكمته. بل هم الذين لا يكفّون عن الدعوة للاحتجاج وللمسيرات عبر
المدن المغربية بكل حرية واصفين النظام بأقذع النعوت. وهنا أحيل الجامعي على
تدوينات المدعو عزيز هناوي أو بناجح أو ويحمان أو عزيز غالي ليقف على سعة صدر
النظام التي فاقت شساعتها آفاق حرية التعبير. وقبل هذا وذاك، فإن قيادي جماعة
العدل والإحسان يعلنون جهارا أنهم ضد الملكية ويرفضون الحكم الوراثي ويسعون
لإسقاطه دون أن يتم اعتقالهم أو محاكمتهم. أليس دليلا على حرية التعبير السماحُ
لأعداء النظام بممارسة أنشطتهم العدائية بكل حرية؟ هل هذا التسيّب كان يحدث في عهد
الحسن الثاني؟
7 ـ
زعم الجامعي أن "وفا بانك دارو واحد العملية كانوا فرحانين بها بزاف
في مصر شْرَاوْ من عند باركليز فرعها بالقاهرة، ونقدْر نأكّد لك أنهم فشلوا واحد
الفشل ذاك الشي لا يُتَصَوّر، خسروا فيها الملايير". لعلم الجامعي أن وفا بنك
في مصر حققت 2.76 مليار جنيه أرباح صافية بعد أداء الضرائب، خلال التسعة أشهر
المنتهية في 3 سبتمبر 2024 مقابل 1.42 مليار جنيه خلال نفس الفترة في 2023 بزيادة
قدرها 1.33 مليار جنيه، بنسبة نمو 93.6%. مقابل 592 مليون جنيه مصري خلال نفس
الفترة عام 2022. بالإضافة إلى هذه الأرباح الضخمة التي حققها البنك، أبرزت دراسة
أعدتها “إدارة الدراسات والبحوث” في الأمانة العامة لاتحاد المصارف العربية، في
هذا السياق، أن بنك “التجاري وفا بنك” يملك “أكبر شبكة من الفروع الخارجية في عدد
من البلدان الأوروبية والافريقية” يليه “البنك العربي” الأردني و”بنك أبو ظبي”
الوطني و”بنك قطر” الوطني و ”مجموعة البنك الشعبي” المغربية. كما فازت مجموعة
التجاري وفا بنك، بجائزة “أفضل بنك في أفريقيا لسنة 2017”، وهي فئة جديدة من
الجوائز تم اعتمادها في العاصمة البريطانية، لندن، من قبل مجلة يورومني، المجلة
الدولية والمرجعية في الأسواق المالية على المستوى العالمي منذ عام 1992.
أما عن سؤالك: "علاش فرنسا باعت فروع
بنكية لها في أفريقيا؟ فعليك أن تعلم أن فرنسا باعت فروع أبناك وشركات لها في
المغرب أيضا. ولا يعني هذا أن أرباح تلك الفروع قلّت أو انعدم لديها الشعور
بالأمان، كما زعمتَ. ففي سنة 2022 بنك الشركة العامة حقق رقم معاملات بحصيلة
إجمالية بلغت 121 مليار درهم، ولم تستحوذ عليها مجموعة "سهام" وهي مفلسة
أو مهددة بالإفلاس. فالأبناك المغربية منخرطة في الإستراتيجية التي تنهجها الدولة
نحو إفريقيا وفق مبدأ رابح/رابح. فضلا عن هذا، فإفريقيا تغري الدول الغنية بما
توفره من فرص هائلة للاستثمار وموارد بشرية وطبيعية وافرة. وهذه فرصة لتذكير
الجامعي بتصريح كاتب الدولة الفيدرالي للشؤون الرقمية والنقل الألماني، ستيفان
شناور، لوكالة المغرب العربي للأنباء على هامش الدورة الثالثة من جيتكس إفريقيا
2025، بأن ألمانيا تعتبر المغرب “بوابة أساسية” نحو الأسواق الإفريقية وشريكا
أساسيا لتحقيق الأهداف المشتركة للتنمية المستدامة والربط الإقليمي. نفس الأمر شدد
عليه التقرير السنوي حول مناخ الاستثمار العالمي، الصادر عن وزارة الخارجية
الأمريكية لما اعتبر المغرب بوابة الاستثمار في القارة الإفريقية. وما على الجامعي
معرفته، هو أن المغرب هو ثاني مستثمر إفريقي في إفريقيا، ولا يقتصر على الاستثمار
في الأبناك (البنوك المغربية تتواجد في 26 دولة أفريقية)، وإنما ينوع مجالاته في
الفلاحة، الصيد البحري، الفوسفاط، البناء، البنيات التحتية، الطاقات المتجددة،
المواصلات وغيرها.
8 ـ إن الجامعي اعتبر "التطبيع مسألة
خطيرة ومذلة وإهانة للشعب المغربي"، بينما تناسى أنه رخّص لعلي المرابط أن
يزور إسرائيل ويجري حوارا مع نتنياهو باسم جريدة “لوجورنال” سنة 1998. وحيث إن حبل
الكذب والبهتان قصير، فقد خانته الحقيقة التي أقر بها بعد هذياناته العدائية
للنظام، وهي أن "التراث الإسلامي غني وثري جدا فيه صلح الحديبية". فإذا
كان الرسول (ص) عقد صلح الحديبية مع الكفار الذين قَتلوا وقاتلوا المسلمين وطردوهم
من ديارهم، فكيف لا يجوز للمغرب وملك أن يقيم علاقات دبلوماسية مع إسرائيل وهي
التي لم تحتل أرضه ولا قتّلت شعبه أو هجّرته؟ ألا نقيس الشاهد على الغائب بلغة
المتكلمين؟
9 ـ يزعم بوبكر الجامعي أنه مع مغربية
الصحراء، لكن في الآن نفسه، يطلق كلمة "شعب" على الصحراويين. وهذه خيانة
للشعب وللوطن. فالصحراويون هم مغاربة وجزء لا يتجزأ من الشعب المغربي؛ ولو أعطيت
حرية الاختيار للمواطنين الصحراويين المحتجزين في تندوف لرجعوا جميعهم إلى الوطن
الأم، ولكنهم رهائن بيد حكام الجزائر. وكان على الجامعي أن يطالب بإحصاء المحتجزين
وتمتيعهم بحقوق الإنسان، وفي مقدمتها ضمان حرية التنقل والسفر.
10 ـ يعتقد الجامعي أنه جاء بفتح مبين لما
حدثنا عن المشاكل الاقتصادية والاجتماعية وعن البطالة والتهميش والفساد. فكل
المسؤولين المغاربة، وفي مقدمتهم عاهل البلاد، يثيرون هذه القضايا في كل
المناسبات، وليرجع الجامعي إلى الخطب الملكية التي شرّح فيها الملك الأوضاع الاقتصادية
والاجتماعية، لدرجة أنه وضع الأحزاب السياسية أمام مسؤولياتها الوطنية والدينية في
خطاب العرش 2017 كالتالي " "لكل هؤلاء أقول: كفى، واتقوا الله في
وطنكم... إما أن تقوموا بمهامكم كاملة، وإما أن تنسحبوا. فالمغرب له نساؤه ورجاله
الصادقون". فوضعية المغرب (حرب استنزاف مفروضة عليه منذ 50 عام، الابتزاز
الأوروبي لنهب خيراته بسبب مشكل الصحراء، الجفاف البنيوي، تآمر قوى خارجية على
وحدته واستقراره، الحرب على الإرهاب، قلة الموارد الطبيعية..) لا تجعله في منأى عن
المشاكل الاجتماعية والاقتصادية التي يقرها ويعمل على حلها بما تتوفر لديه من
إمكانيات. ورغم كل هذه المشاكل وتكاليف الحروب المفروضة عليه، احتل المغرب المرتبة
الأولى على مستوى القارة الإفريقية والسادس عربيا، براتب إجمالي متوسط بلغ 1657
دولارًا في عام 2024، والمرتبة 48 عالميًا، أما الجزائر بثرواتها النفطية
والغازية، فجاءت في المرتبة 133 عالميا بمبلغ 249 دولار، وليبيا في المرتبة 174
بمبلغ 68 دولار، فيما يتعلق بمؤشر تصنيف الدول ذات متوسط الرواتب الأعلى والأدنى
لنفس السنة، وفقًا للتقرير السنوي الذي أعده فريق الاقتصاد والسياسة بمجلة Ceoworld.
ليس من الوطنية الشماتة في الوطن والانخراط
في المؤامرات ضده والتحريض على النظام والدولة. فما الذي يمنع بوبكر الجامعي ومن
على شاكلته من الذين يناصبون العداء للنظام والدولة أن يحذوا حذو مغاربة المهجر،
سواء في دعم اقتصاد وطنهم أو الانخراط في جهود التنمية ودعمها بخبراتهم
وإمكانياتهم المالية إلا العداء للوطن والسعي لتخريبه.
شَاهَدْ الذِّيبْ وشَاهَد كَعْلالْتُو.
إن النقطة المحورية التي ظل يلف حوله بوبكر
الجامعي هي النظام الملكي. فتارة يعلن أنه مع الملكية وأخرى يتحول فيها إلى بوق
مبحوح يردد الأسطوانة المشروخة لجماعة العدل والإحسان وهذيان مرشدها وأضغاث أحلامه
بقرب انهيار النظام. تحالفه مع الجماعة وانخراطه في خدمة مشروعها جعلاه لا يرى
إمكانية "إصلاح" النظام من الداخل. وبكل يقين واهِم أكد أن "بهاذ
التركيبة الحالية ديال النظام أن الإصلاح لن يتم إلا من خارج النظام". وهذا هو
مخطط الجماعة ومشروعها. والجامعي الابن لم يقرأ تحذير والده المرحوم خالد الجامعي
الذي نشره في جريدة المستقل عدد 680، 7ـ9 مارس 2003، بعد صدور كتابي (الشيخ ياسين
ووسواس المهدوية) كالتالي: "فقارئ الكتاب يجد نفسه مشدوها أمام مشروع مجتمعي
ترتعد له الفرائص يجعلنا نعيد النظر في رؤيتنا للشيخ وأفكاره. يجعلنا نعيش حلما،
بل كابوسا لا نصدق من خلاله أننا بصدد شيخ جماعة إسلامية مغربية عرفناه واستأنسنا
به.. لا ديمقراطية إذن، في فكر مرشد جماعة العدل والإحسان، بل لا وجود للسيادة
الشعبية في هذا الفكر. إذ يبدو الفقيه كشخصية معصومة لا تقبل النقاش والمناقشة،
فحتى لو أخطأ لا يمكن لأحد أن يحاسبه أو يلومه. فمسؤوليته أمام الله عز وجل، لأن
شرعيته تأتيه من الله عز وجل وحده).
إني أجزم أن بوبكر الجامعي لم يقرأ أدبيات
الجماعة ولا دستورها "المنهاج النبوي" الذي وضعه مرشدها وجعله ملزما لها
في كل الظروف. كما لم يقرأ كتاب "الإحسان" بجزأيه، أو كتاب
"الإسلاميون والحكم". إذ لو أنه خصص وقتا لقراءة هذه الأدبيات لأدرك أن
مصير المتحالفين مع الجماعة سيكون أسوأ من مصير حزب "تودة" الإيراني
الذي تحالف مع الخميني وانتهى المطاف بأعضائه إلى المشانق في الساحات العامة. ومما
يوجبه دستور الجماعة وعقائدها في حق مخالفيها هو تطبيق حد الحِرَابَة فيهم وذلك
بقطع أطرافهم من خلاف وسمْل عيونهم ورميهم في الصحراء يموتون عطشا. وما على
الجامعي معرفته هو أن الأحزاب المغربية وعموم الشعب المغربي باتوا مدركين خطورة
سيطرة تنظيمات الإسلام السياسي على الحكم والدولة. ولعل الأمثلة الحية التي
يشاهدونها عبر وسائل الإعلام من الدول التي اجتاحها ما سماه بوبكر زورا "ربيع
الشعوب"، كافية لتجعل المغاربة يرفضون كل الدعوات المحرضة ضد النظام الملكي.
من هنا فشهادة بوبكر الجامعي "انا
كنشهد أن العدل والإحسان كانو منفتحين .. كانوا قابلين النقاش .. اليسار ما عندوش
إرادة حقيقية يدخل لنقاش حقيقي"، شهادة زور وبهتان. فاليساريون الذين رفضوا
التحالف مع عدلاوة أثبتوا وطنيتهم والتزامهم بثوابت الشعب المغربي، وإيمانهم بأن
الإصلاح يتم مع النظام ومن داخله. وحيث بوبكر الجامعي كذاب، وأن "الكذّاب
نسِّيه وسُوْلو"، فقد فضح نفسه بنفسه لما قال "ماشي الناس ما متشبعينش
بالديمقراطية ولكن حيث الناس ما باغيينش يْأَدِّيوْ الثمن ديال الديمقراطية ..
الخْلاَصْ (الثمن) هو ان الشعب "ما بغيش ذاك الشي لي واقع في اليمن وفي
سوريا". فالمغاربة كانوا مدركين لخطورة "الخريف العربي" على أمنهم
واستقرارهم، فرفضوا الانجرار إلى ما انتهت إليه دول عربية من فتن واقتتال وتقسيم
الأوطان وحكم الدواعش.
لهذا يبقى الجامعي وأمثاله من المطبّلين
للخوانجية والمروجين لأطروحاتهم بمثابة "النـﯕافات" يُجَمّلون وجه
الجماعة للتغرير بضعاف النفوس وعديمي الضمائر ومحدودي التفكير. ولكنكم لن تمرّوا.
لا توجد تعليقات:
للأسف، لا توجد تعليقات متاحة على هذا الخبر حاليًا.
أضف تعليقك