الحلقة الرابعة:اليسار الجديد المتجدد وقضية المرأة..نحو نسوية متجذرة في المشروع التحرري

الحلقة الرابعة:اليسار الجديد المتجدد وقضية المرأة..نحو نسوية متجذرة في المشروع التحرري
مقالات رأي / الأحد 28 دجنبر 2025 / لا توجد تعليقات:

بقلم:العلمي الحروني/منسق تيار اليسار الجديد المتجدد من داخل الحزب الاشتراكي الموحد

لا تكتمل معالجة سؤال النسوية وقضية المرأة دون ربطهما بالسؤال الجوهري الذي تطرحه أرضية اليسار الجديد المتجدد من داخل الحزب الاشتراكي الموحد: سؤال التغيير الديمقراطي الشامل، الذي لا يفصل بين الاجتماعي والثقافي والسياسي، ولا يعزل قضايا النساء عن شروط إنتاج التهميش والاستغلال. فالتحرر، كما تؤكد أرضية تيار اليسار المتجدد، تتجاوز الأبعاد التقنية أو القانونية، إلى سيرورة تاريخية تعيد بناء الإنسان والمجتمع معا. 

1- قضية المرأة بين وهم التمكين وواقع القهر البنيوي

تنسجم خلاصات هذه السلسلة "النسوية: بدايات وتطورات وآفاق" مع تشخيص الأرضية لوضع المرأة المغربية، حيث ترفض الأخيرة الخطاب الرسمي حول "التمكين"، معتبرة إياه غطاء إيديولوجيا يخفي واقعا من القهر البنيوي والاستغلال المزدوج. فالمرأة، وفق الأرضية، تعاني، عطفا عن الهابيتوس الثقافي المستورد من الغرب والشرق، من العنف الممنهج والهشاشة الاقتصادية والعمل غير المهيكل، خاصة في القرى والمزارع والمعامل والبيوت، حيث تعمل دون حماية اجتماعية أو اعتراف قانوني.

هذا التشخيص يعزز الأطروحة القائلة إن اضطهاد المرأة ليس مسألة ثقافية مجردة ولا نتيجة "عقليات ذكورية" فقط، إذ هو نتاج بنية اقتصادية-اجتماعية تعيد إنتاج التمييز. وعليه، فإن أي معالجة تفصل قضية المرأة عن سؤال العمل والفقر والريع والتفاوت الطبقي، إنما تعيد إنتاج الوهم الإصلاحي نفسه الذي تنتقده.

2- مأزق التجزيء في النسوية خارج المشروع الاجتماعي 

ينبه المحور الثاني من الأرضية إلى خطورة المقاربات القطاعية التي تفصل قضايا المجتمع عن بعضها، وتتعامل مع المرأة كـ "ملف خاص" بدل اعتبارها جزءا من الصراع الاجتماعي العام. فالأرضية تؤكد أن الإصلاحات المعزولة أو الشعارات الأخلاقية لن تزيل القهر المسلط على المرأة، لأن التغيير الحقيقي يمر بالضرورة عبر تفكيك البنيات الاقتصادية والطبقية التي تشكل أساس اللامساواة.

يتقاطع هذا الطرح مع نقد النسوية الليبرالية والراديكالية المستوردة، التي تنقل الصراع من المجال الاجتماعي إلى المجال الرمزي، وتحول العلاقة بين النساء والرجال إلى تناقض مركزي، متجاهلة أن أصل التهميش يكمن في علاقات السلطة والثروة.

3- الدين والنسوية والتحرر: تجاوز الثنائية الزائفة

تقدم أرضية تيار اليسار الجديد المتجدد مدخلا بالغ الأهمية لتجاوز الصراع المفتعل بين النسوية والدين. فهي لا تتبنى أطروحة "استغلال الدين في السياسة" لأن الدين سياسة في جوهره، ولا تقع في فخ "التهويس الديني للسياسة"، فهي عوض ذلك تدعو إلى قراءة يسارية نقدية للدين بوصفه معطى اجتماعيا وثقافيا لا يمكن القفز عليه، مع ضرورة الفصل الواضح بين السلطة السياسية والسلطة الدينية المشتت للعقل السياسي إن داخل هرم الدولة/السلطة أو وسط التنظيمات السياسية.  

هذا التصور يسمح بتجاوز المأزق الذي وقعت فيه النسوية المستوردة من الغرب أو المشرق، من طرف كل من الحركة اليسراوية و الحركة الإسلاموية التأويلية، عبر نقل النقاش من مستوى "نقد النص" إلى مستوى نقد شروط توظيف الدين داخل البنية الاجتماعية والسياسية. وبذلك فقط، تصبح قضية المرأة جزءا من معركة أوسع من أجل دولة القانون والعدالة الاجتماعية وليست معركة ضد المقدس أو دفاعا عنه.

4- الهوية والثقافة: شرط التمفصل لا عائق التحرر

يشدد المحور السابع من الأرضية على أن أي مشروع تحرري يساري يفقد معناه إذا انقطع عن الثقافة الوطنية والهوية الأمازيغية المغربية والمغاربية باعتبارها مكونا تاريخيا وحضاريا للمنطقة. فالأرضية تنتقد بوضوح اليسار الذي استبطن مرجعيات مشرقية أو غربية، وأهمل بل ونفى جزء كبير منه تربته والتاريخ الاجتماعي المحلي، بما فيه أشكال تنظيم العلاقات بين الجنسين خارج منطق الصراع الإيديولوجي.

هذا الطرح ينسجم مع الدعوة إلى بناء نسوية متجذرة، تنطلق من قراءة نقدية للثقافة المحلية، لا من استنساخ مفاهيم الجندر والصراع الجندري كما تشكلت في سياقات غربية مغايرة. ذلك أن الهوية هنا مجال لإعادة اكتشاف إمكانات التحرر التاريخية الكامنة داخل المجتمع.

5- النسوية داخل أفق اليسار الجديد المتجدد

انطلاقا من هذه التقاطعات، لا يطرح اليسار الجديد المتجدد "نسوية بديلة" بالمعنى الإيديولوجي الضيق، إذ يدمج قضية المرأة في قلب مشروعه التحرري، باعتبارها جزءا من معركة العدالة الاجتماعية والديمقراطية السياسية والتحرر الثقافي ومقاومة التبعية. وهو ما تؤكده الأرضية حين تعتبر أن جوهر المشروع اليساري هو تغيير قواعد اللعبة السياسية والاجتماعية بعيدا عن تعديل موازينها السطحية. 

هكذا و في ضوء أرضية تيار اليسار الجديد المتجدد، فإن تحرر المرأة لا يمكن أن يكون نتاج صراع جندري معزول، ولا نتيجة استيراد نماذج نسوية جاهزة، إذ أن هذا التحرر ثمرة مشروع تحرري ديمقراطي متكامل، يعيد بناء العلاقة بين الدولة والمجتمع ودمقرطتهما، وبين الاقتصاد والثقافة، وبين النساء والرجال بوصفهم فاعلين تاريخيين في معركة واحدة.

ومن الخلاصات السياسية والفكرية لحلقات هذه المقالة، وبدون إسهاب أو إطناب يمكن القول أولا أن  النسوية خطاب غير كوني، مشروط تاريخيا وسياقيا، وثانيا أن 

 النسويات المستوردة فشلت في إنتاج مشروع تحرري متجذر، وثالثا، 

أن النسوية المعاصرة تعبير عن أزمة اجتماعية أكثر منها مقاومة لبطريركية شاملة، ورابعا  أن تحرر المرأة لا يكمن في الصراع بين الجنسين، إذ هو جزء عضوي من الصراع من أجل الديمقراطية الحقة وتفكيك السلطويات المتداخلة (السياسية و الاقتصادية و الرمزية)، وخامسا وأخيرا  أن البديل النسوي الممكن في السياق المغربي والمغاربي هو نسوية نقدية متجذرة تنطلق من التاريخ الاجتماعي المحلي والهوية الثقافية، وتناضل على إعادة بناء شروط التوازن والكرامة داخل المجتمع، نسوية تسعى إلى تغييره من الداخل ضمن مشروع تحرري جماعي.

لا توجد تعليقات:

للأسف، لا توجد تعليقات متاحة على هذا الخبر حاليًا.

أضف تعليقك