إعفاء الولاة..الدق والسكات

إعفاء الولاة..الدق والسكات
مقالات رأي / الخميس 12 يونيو 2025 - 07:00 / لا توجد تعليقات:

أنتلجنسيا المغرب:فهد الباهي/م.إيطاليا

حين تنتشر شائعة إعفاء والي جهة مراكش آسفي ووالي جهة فاس مكناس، لا يكون الأمر عادياً، فليس من عادة الإدارة المغربية أن تحرك سكين الإعفاء على رقاب مسؤوليها الكبار دون أن ترفع الغطاء عن دواعي القرار، خصوصاً حين يتعلق الأمر بولاة يمثلون رأس الهرم الترابي، الغريب هذه المرة، أن الصمت كان سيد الموقف، رغم أن وسائل الإعلام، وطنية ودولية، تداولت الخبر كما لو أنه أصبح من المسلمات.

لكن لا جواب ولا توضيح.."شنوكاين الله أعلم"

في دولة تسودها التراتبية الصارمة، لا يمكن أن نمر مرور الكرام أمام تسريب قرار بهذه الحدة، دون أن تحرك وزارة الداخلية ساكنًا لتوضيح الرؤية أمام الرأي العام، لكن، كأننا نعيش في مغربين، واحد يُروِّج للشفافية والتواصل، وآخر يفضل الغموض كإستراتيجية لإدارة الملفات الحساسة، حتى لو تعلق الأمر بإعفاءات قد تحمل رسائل سياسية أو مؤسساتية خطيرة "المهم داخ دوخ وخلي كولشي دايخ".

بعض "المصادر" أو المتابعين أو الفاعلين لا يهم من، ربطوا الواقعة بذبح أضحية العيد، مخالفة لقرار ملكي حيث قال البعض إنه هاب بمنع الذبح لأجل معافاة القطيع..، وإن صحّ هذا، فإننا أمام فضيحة غير مسبوقة في سلك السلطة، لأن تنفيذ قرار رمزي على هذا القدر من الحساسية يتطلب موافقة أو توجيهًا واضحًا، لا يمكن بأي حال أن يُتخذ بمبادرة فردية من رجل سلطة مهما علا مقامه.

ما يصدم في كل هذا، هو أن الأمر إن تم كما راج، فهو يعني أن هناك فجوة في التواصل بين القيادة المركزية والولاة، أو أن جهة ما أيا كانت أوعزت بذلك خفية للوالين، كيف يُعقل أن يُنظم موكب ذبح علني، بحضور الوقاية المدنية، وأطقم إعلامية، وتنسيق لوجيستي محكم دون علم الوزارة الوصية؟

هل نحن أمام عملية تمرد بيروقراطي؟

لا يمكن أبدا...

أم عملية تصفية حسابات مغلفة بطقوس دينية؟

كل شيء وارد..

الأسئلة تتزاحم في الذهن، وأكثرها حدة.

أين اختفى الكتاب الخاصون ساعة الذبح؟

أين ذهب مدراء الدواوين ساعة الذبح؟

هؤلاء لا يتحركون عادة إلا بتعليمات دقيقة، بل إنهم من ينقلون البرقيات الشفوية والكتابية من وإلى الوالاة عادة .

فهل كانوا في عطلة؟

مستحيل..

أم أن هناك من أمرهم بالصمت، تمهيدًا لسيناريو إزاحة كان مُحضّرا سلفًا؟

ممكن..

العبث حين تُترك الأبواب مشرعة أمام التأويلات، ما نعرفه أن الوزارة لم تنفِ ولم تؤكد، وكأنها تركت الإعلام يغلي والرأي العام يتيه في زوبعة التوقعات، بينما الكواليس تطبخ في صمت،"مكاينش شي ذخان بلا عافية"، وهذا السلوك، في حد ذاته، إخلال جسيم بمبدأ الحق في المعلومة، وهو حق دستوري لم يعد يقبل التلاعب أو التجاهل، المسألة عادية تحتاج توضيح يعزز الثق والتواصل مع المواطنين فقط.

السؤال الأعمق هنا، هل كان الذبح مجرد واجهة رمزية للتخلص من الرجلين؟

هل تمت تصفية حسابات قديمة بتهمة طقسية؟

وإن كانا مذنبين بالفعل، أين التدرج التأديبي؟

أين المجلس التأديبي؟

أين البلاغ الرسمي الذي يُعِدُّ المغاربة نفسيًا لما يُطبخ باسمهم وباسم هيبة الدولة؟

من يعرف أجواء فاس ومراكش يعلم أن كليهما يُمثلان تحديًا عمرانيًا واجتماعيًا وسياسيًا من طراز خاص، فإذا كانت العاصمة العلمية ترزح تحت قبضة الفوضى و"الترامي" على القانون، فإن مراكش تحولت إلى فضاء تتنازعه مافيات العقار وسوء تدبير النفايات وفضائح المجلس الجماعي، في كلا الحالتين، المسؤولية لا تبدأ وتنتهي عند الوالي، بل تمتد إلى المجالس المنتخبة والإدارات التابعة والجهات العليا.

فلماذا لم يُفتح النقاش حول تقصير محتمل؟

لماذا لم تُعرض نتائج تقييم أداء الرجلين؟

لماذا لم تُربط المسؤولية بالمحاسبة كما وعد الدستور؟

أم أن هناك من أراد تحويل النقاش من فشل في التسيير إلى مخالفة طقسية، لتبرير ما لا يُبرَّر؟

بعقلية "لعبنا وسالينا" ...

إننا أمام صورة عبثية بامتياز، دولة تُمارس العقاب بصمت، تترك شعبًا يضرب أخماسًا في أسداس، وتنسى أن التواصل ليس خيارًا بل ضرورة استراتيجية، خاصة في زمن انكشاف كل شيء في لحظته عبر وسائط التواصل والمنابر المستقلة.

فيا وزارة الداخلية، إن كنتم قد عزلتم الرجلين، فلكم ألف حق إن كانوا فعلا قد قصروا أو تمرّدوا أو خالفوا لكم ألفان من الحقوق، لكن لا تذبحوا الحقيقة باسم الطقوس، وإن كانا ضحيتين، فأعلنوا الحقيقة وردوا لهما اعتباره، أما ترك الشعب يتخبط بين فرضيات وتخمينات، فذلك أكبر إساءة لمفهوم التواصل مع المواطنين في كل كبيرة وصغيرة.

دعونا لا نذبح الحقيقة و العقل المغربي باسم التراتبية، ولا نُكرس ثقافة القربان بدل ثقافة البيان.

 



لا توجد تعليقات:

للأسف، لا توجد تعليقات متاحة على هذا الخبر حاليًا.

أضف تعليقك