عبد السلام فزازي يكتب: الفساد وغياب الانسان المناسب في المكان المناسب

عبد السلام فزازي يكتب: الفساد وغياب الانسان المناسب في المكان المناسب
مقالات رأي / الخميس 29 مايو 2025 - 16:00 / لا توجد تعليقات:

بقلم:عبد السلام فزازي

اعتبارنا ننتمي لهذا الوطن الأبي الذي كنا ولا زلنا نعتبره بمثابة بيت لنا، فيه حقوقا ملكية لا يمكن لكائن من كان أن ينتزعها منا غصبا، والحال أن واقعنا يثبت لنا يوميا أنه فوت بالتقسيط لمن لا غيرة لهم لا على تاريخه الذي بني حجرا حجرا وعلى أكتاف الآباء والأجداد، منهم من قضى نحبه ومنهم من لا زال ينتظر واليد على القلب المكلوم.. ترى حين نكتب رافضين الذل ديموقراطية كما سماها أستاذنا المهدي المنجرة، نكون بصدد تجاوز  حدود اللياقة الأدبية ونحن نلوم من أوصلنا إلى ما نحن عليه اليوم.؟ أو لا قدر الله نكون كمن يجحد نعمة الله وقد حبانا وطنيا من أغنى الأوطان، لكن لا حق في مساءلة من أتى عليها ونجوم في السماء تنظر ولا تسعف.. هل هذا الوطن كان له مقاومون، وسياسيون، وحكومات دافعت عنه شأنها شأن باقي شرفاء العالم..؟ سؤال نتركه لمن في نفسه مرض وأصبح اليوم يهمس في آذاننا قائلا:

” كلنا نتحمل مسؤوليته، علما أننا لم نتحملها إلا حبا وغيرة، لكن كنا ولا زلنا نحاربهم محاربة الجندي الأعزل من السلاح.. فبربكم من دفع المغاربة إلى معانقة الموت في أعماق البحار، فارين مرغمين من الوطن الذي هو وطنهم؟ ومن جعل الأسر المغربية تعزف عن السياسة والسياسويين، حين أدركوا اللعبة القذرة التي لم تبرح بعد مكانها منذ عقود من الزمن؟ أليس هؤلاء من حاربوا الديمقراطية، مما جعل وبدون استغراب المواطن المغربي عامة، والشباب منهم خاصة يعيشون نوعا من الخلخلة في القيم الاجتماعية، وتنامى لديهم الشعور بالظلم والإغتراب جماعات وفرادى إلى أن سقطوا في دوامة من الإحساس باليأس، والإحباط، واللامبالاة، والبحث عن البديل ولو أتى عبر سم الخياط ما هم؟؛ هكذا بني أمي أصبحنا نسمع ونقرأ وفي القلب شيء من حتى أشكالا من الانزلاقات التي سرعان ما قادت الشباب المغربي إلى مهاوي الجريمة، استجابة لتدهور القيم، ورد فعل على التمييز غير المبرر. ومن الطبيعي أن ينعكس كل هذا على المغرب سلبا؛ إلى أن أصبحنا وفي القلب غصة، نخشى على سمعة البلاد التي أصبحت تنعت بما لم يكن يوما في الحسبان.. فمتى كان المغرب ماخورا للمرضى بنزوات جنسية؟ إلى أن أصبح معروفا لدى الخاص والعام بوكر كبير للسياحة الجنسية، ولتشرب الأسر المغربية الأبية البحار..؟ ما الذي يريده منا أمثال هؤلاء المرضى؟ يريدون منا أن نبيع قيمنا في سوق النخاسة، ونفتح أبوابنا مشرعة لنشبع نزواتهم التي لا تنتهي، ونتخلى عن تاريخ طالما أربك الطامعين ومصاصي دم الأحرار؟ هكذا يبدو للمتأمل وهو يتفرس تفاصيلنا اليومية أن الدوافع التي تجثم وراء ظاهرة الفساد كثيرة، وها هي مفسدة أخرى تطل علينا من الفساد الجامعي؛ وهي سابقة يندى لها الجبين؛  ولعل بيت القصيد في كل هذا يتمثل أولا وأخيرا في الفقر، وفقدان الضمير، وتدني الرواتب، مقابل ارتفاع تكاليف المعيشة، وانتشار الجهل، وعدم تكافؤ الفرص بين المغاربة، والمحسوبية، والزبونية في غياب ردع استعجالي نستطيع به وقف النزيف قبل معانقة السكتة القلبية. فما أحوجنا اليوم قبل الغد إلى مراجعة أنفسنا، وتقديم نقد ذاتي وبشجاعة، ومحاربة الاستبداد، والشطط، والبحث عمن غيب الديمقراطية لينتشي بنزوة الإستبداد، والسعي إلى تطبيق فصل السلط التي ظلت ترجح كفة السلطة التنفيذية على السلطة التشريعية، ونحن نتساءل حقا :

هل حقا نعيش في القرن الواحد والعشرين..؟ المغرب وغيره من الدول العربية والإسلامية في حاجة ماسة إلى تفعيل استقلالية القضاء ونزاهته قولا وفعلا لا بهرجة وفلكلورية صورية.. إلى جعل المغاربة سواسية أمام القانون، والسعي إلى جعل وسائل الإعلام، والأحزاب، والنقابات، وغيرها من مؤسسات المجتمع المدني قادرة على القيام بدورها الرقابي دونما غطرسة فوقية، والكف عن محاكمة وسائل الإعلام لشيء في نفس يعقوب.. كفانا من التغاضي عن المفسدين الكبار وهم يتزايدون يوميا كما وكيفا، وبالمقابل محاسبة المفسدين الصغار.. لماذا لا يستطيع القضاء الضرب على يد المفسدين الكبار وتقارير تعانق تقارير لا تبرح مكانها، لأن اللوبيات تتجاوز التقارير إلى أن أصبحنا نعيش أضغاث أحلام يمارسها فاقدي الوطنية على الشعب المغربي.. لم نكن نتصور يوما استصاغة المغلوب وهو يردد:

” عفا الله عما سلف..”؛ وبالأمس القريب كان يمطرنا بالشعارات النضالية، ولم نتصور أنها شعارات من يرفعها والخطوة الى الوراء..

بكل تأكيد أن الأمر لا يتعلق إلا بثلة قليلة من المسئولين الذين يفتقدون أحاسيس حب الوطن، وفي هذا الإطار بالضبط، لا يمكن تعميم الفساد على النموذج الإيجابي من المسئولين وهم يعدون على أصابع اليد الواحدة، والذين يحظون بكل تقدير واحترام، لكن ما أحوج مغربنا وأبناء مغربنا إلى استرجاع الثقة والمصداقية، ما دام الفساد قد تحول مع الأسف الشديد إلى وباء يتطلب استراتيجية عملية ناجعة قبل أن يصبح استئصال الفساد أشد خطورة مما نتصور، وهذا لا يتأتى إلا إذا تظافرت الجهود والقناعات، وابتعدنا عن الأنا البغيضة والجديرة بالبغض، وسطرنا ميثاقا وطنيا تنفذ فيه إجراءات التغير السياسي، وتطبيق العدالة النزيهة، والقانون الذي لا يعلو عليه أحد، والعمل على بناء وتعزيز دولة المؤسسات والقانون، دون فذلكات لغوية شعاراتية، والإرتقاء بدور الإعلام، وتمكين الإعلاميين من الوصول إلى مصادر المعلومات دون استحضار رقابة الأزمنة البائدة، ليتمكنوا طواعية من تسليط الأضواء على مواطن الخلل في عمل المؤسسات المختلفة، دون الزج بهم في المحاكمات التي لا ترقى إلى طموحاتنا التي طالما تغنينا بها في المنتديات والمحافل الدولية .. مغربنا ينتظر منا تطريز تاريخ جدير بنا، ينضاف إلى تاريخ طالما تداولته ألسنة المفكرين والسياسيين، وسحقا للسماسرة ومصاصي دم أبناء شعب يبقى أبدا شامخا مثل النسر فوق القمة الشماء.

*- من المؤسف حقا أن يطل علينا فساد لم يكن في الحسبان، فساد خرج من قمقم الجامعات يتعلق ببيع الشواهد ضدا على تكافؤ الفرص بين أبناء الشعب.. معذرة للأستاذة الجامعيين الشرفاء، نرفض تعميم هذا الوبال على الجميع..

لا توجد تعليقات:

للأسف، لا توجد تعليقات متاحة على هذا الخبر حاليًا.

أضف تعليقك