من المدرسة إلى "الديسكو" الوزاري.. حين تتحول التربية إلى منصة لترويج "الهيب هوب والتلواز"

من المدرسة إلى "الديسكو" الوزاري.. حين تتحول التربية إلى منصة لترويج "الهيب هوب والتلواز"
مقالات رأي / السبت 24 مايو 2025 - 10:00 / لا توجد تعليقات:

أنتلجنسيا المغرب:فهد الباهي/م.إيطاليا

كنا نعتقد، بحسن نية، أن وزارة التربية الوطنية والتعليم الأولي والرياضة منشغلة بتقارير الخصاص المهول في الأطر التعليمية، وبنتائج تصنيف الجامعات المغربية في ذيل الترتيب، وبالمناهج المهترئة التي تُخضِع التلاميذ لنظام تعليمي عقيم، ينتج الجهل بدل الوعي، والاغتراب بدل الانتماء.

لكن، ويا للدهشة، يفاجئنا الوزير بمراسلة تهبط كالصاعقة، وكأنها مسربة من حفلة "دي جي" مراهق، لا من مؤسسة يفترض أن تكون حاضنة القيم والمعرفة والحفاظ على الثقافة والهوية.

المراسلة التي عممت على المديرين الجهويين، تدعو بشكل صريح إلى الانخراط في أنشطة رقص مستوردة، تحت يافطات براقة مثل "الفن الحضري"، لكنها تحمل بين طياتها رقصات "تعواج المؤخرات" و"هز البطون" التي يُروّج لها تحت مسميات "الهيب هوب"، "البريك دانس"، وفنون الشوارع، وكأن الشوارع باتت هي المنهاج الجديد الذي يُراد لأبناء المغاربة أن يتتلمذوا عليه.

"فين الهيت والرويضة".

المثير في كل هذا، ليس فقط السطحية المهينة التي صيغت بها الوثيقة، بل الجرأة على ضرب القيم الجماعية، والعبث بالهوية المغربية، مقابل تقديم وجبة فنية "معلبة"، لا علاقة لها لا بالتراث ولا بالتاريخ ولا بروح المدرسة والقيم المغربية.

أي عار هذا الذي يدفع وزارة بكامل طاقمها إلى تخصيص اعتمادات زمنية ومادية لترسيخ ثقافة "الدياثة الفنية" نعم ترويض أطفالنا الصغار القاصرين على "الدياثة" والتعايش معها مستقبلا، في وقت تنهار فيه جودة التعليم، ويتسرب الآلاف من التلاميذ سنويًا نحو الشارع والانحراف.

من يجرؤ على تحويل قاعات الدروس إلى منصات للرقص البهلواني، بينما أقسام القرى بدون نوافذ ولا سبورات؟

من يخطط فعلاً لتذويب الشخصية المغربية في قالب استهلاكي أمريكي "ماسوني" مبتذل؟

إنه مخطط مُحكم، عنوانه الأساسي هو "الميوعة المنظمة"، يبدأ من سن مبكرة، تحت شعار "الانفتاح"، ويستهدف نزع الحياء وتحطيم البوصلة القيمية لدى الأجيال.

وهي خطوات لم تأتِ من فراغ، بل تنسجم مع موجات أخرى نراها في القضاء، وفي الإعلام، ومؤسسات أخرى، وحتى في بعض مشاريع القوانين، حيث يجري تطبيع الانحراف، وتمجيد التفاهة، وتفكيك مفهوم الأسرة خطوة خطوة.

ثقافتنا الراقصة، التي نحترمها ونحتفي بها، غنية لدرجة أن العالم يُدرجها ضمن التراث اللامادي للبشرية، من "أحيدوس وأحواش إلى كناوة والدقة المراكشية، من العيطة إلى الهيت والكدرة، ومن تبوريدة إلى الركادة، كلها تعبيرات فنية ذات حمولة روحية وتاريخية وجمالية، عكست منذ قرون وجدان الشعب المغربي وهويته الأصيلة.

ولن ننسى أن المغاربة، في المهجر، يبكون أبناءهم حين يسمعون عن مثل هذه المراسلات، التي تفرغ المدرسة من محتواها، وتحوّلها إلى مسرح عبثي يشوش على الوعي ويؤسس لرداءة مُمَنهجة هذفها "الشاك شابندي يا ولدي".

نحن لا نعارض الفنون، بل نعارض التهجين والتسليع والانبطاح للغرب وأمريكا.

نريد مدرسة تعلم الفلسفة والفقه، الفيزياء واللغا،ت، والطب والجيولوجيا نريد جامعة تُخَرِّج علماء من عيار "رشيد اليزمي" المنبود وسط هذه الزوبعة، لا مهرجين، نريد تعليماً يزرع النخوة لا الذل، يبني الشخصية لا يُفرّغها، يحصّن التلميذ لا يُعريه ذهنياً وسلوكياً وأخلاقيا.

ويأتي مسؤول ويقول الفصل "507" سيصلح الجانحين، يا للعجب، الجانحين هم ضحايا هذه القرارات والمراسلات والسياسات الغير مركزة.

أوجه سؤالي إلى كل برلماني لا زال يحتفظ ببعض الجرأة، إلى كل أب وأم غيورين على أبنائهم، إلى كل أستاذ يحمل هم المهنة الشريفة، إلى كل فنان أصيل، وإلى معالي الوزير شخصياً: المذكرة مرفوضة، والخطوة مستفزة، والتاريخ لن يرحم من خذل المدرسة العمومية وفتح لها أبواب "الديسكو التربوي" بدل بوابات العلم والنور.

المدرسة مكان العلم والتعلم، فقط "الهيب هوب والتلواز مكانه الكاباريهات"، هؤلاء أطفال قاصرين، وتعليمهم هذه العادات الدخيلة يعتبر مخطط لتهجين النشأة وكسر عودها مستقبلا.

المخطط واضح، لكن لفائدة من ؟

لا توجد تعليقات:

للأسف، لا توجد تعليقات متاحة على هذا الخبر حاليًا.

أضف تعليقك