"ونستون تشرشل كون بقا عايش كون حماق بسبب ماسترات مزورة من قيسارية قيليش"

"ونستون تشرشل كون بقا عايش كون حماق بسبب ماسترات مزورة من قيسارية قيليش"
مقالات رأي / الأربعاء 21 مايو 2025 - 09:00 / لا توجد تعليقات:

أنتلجنسيا المغرب:فهد الباهي/م.إيطاليا

كثيرون يعرفون القصة الشهيرة لرئيس الوزراء البريطاني الأسبق" ونستون تشرشل" خلال أوج اشتعال الحرب العالمية الثانية، حين أصدرت محكمة بريطانية حكماً يقضي بنقل مطار عسكري من منطقة سكنية، لما يتسبب فيه من إزعاج وخطر على حياة السكان.

وقد منحت المحكمة مهلة لا تتجاوز سبعة أيام لتنفيذ القرار، دون أن تأبه بظروف الحرب أو موقع المطار الاستراتيجي.

"وينستون  تشرشل"، الذي كان منهمكاً في إدارة المعارك الطاحنة ضد جيوش "أدولف هتلر"، لم يتجاهل الأمر ولم يتذرع بظروف الحرب، بل سأل فوراً عن المدة المتبقية لتنفيذ الحكم حينها.

 فقيل له: لم يتبقَ سوى 48 ساعة.

فبادر بإصدار أمر عاجل بتنفيذ الحكم فوراً، قبل انقضاء المهلة.

وفي موقف خلدته كتب التاريخ، قال عبارته الشهيرة "أهون علينا أن نخسر الحرب، من أن نخسر هيبة القضاء البريطاني" .

لو إنتظرتني يا "ونستون تشرشل" لقبلت رأسك على شجاعتك وتقديرك لهبة القضاء، هذا التصرف، لم يدافع فيه "تشرشل" فقط عن استقلالية القضاء، بل منح العالم درساً خالداً في احترام سلطة القانون، حتى في أحلك الظروف.

وهوما يعني أن العدالة ليست مسألة ترفٍ مؤسساتي، بل هي الصمغ الذي يجمع شتات الدولة ويحفظ هيبتها، في اللحظة التي يتحول فيها القضاء من ملاذ للضعفاء إلى لعبة بين أيدي المزورين، تصبح الدولة مهددة من الداخل، لا على مستوى أجهزتها فقط، بل في جوهر وجودها، وهذا لن نقبله.  

ليس الحديث اليوم عن خلل عابر أو تصرف فردي، بل عن منظومة تتآكلها الخيانة، من قلب المؤسسات الجامعية التي تؤسس التي كان يُفترض أن تكون حصنًا منيعًا للحق والعدل.

قضية جامعة ابن زهر، وما تسرب من فضائح تتعلق بشواهد الماستر المزورة، ليست مجرد ورقة فاسدة في شجرة التعليم العالي، بل هي غصن مسموم وصل إلى جسد القضاء، وها هو الآن ينخر أعمدة العدالة بهدوء قاتل، لا نتحدث عن تزوير شهادة لسائق طاكسي، أو دبلوم ليعمل في شركة،أو عامل بسيط، بل عن منح بطاقات عبور لمن سيجلسون لاحقًا على منصات إصدار الأحكام، سيتخذون قرارات باسم القانون، بينما لا يحملون من القانون سوى ما سرقوه منه.

كيف يمكن لمواطن أن يثق في عدالة يصدرها قاضٍ تسلق درج المحكمة بشهادة مشبوهة؟

كيف نطمئن إلى دولة تحاكم فقراءها بلا رحمة، بينما تمرر المزورين إلى مفاصل السلطة دون حساب؟

هذا الانفصام بين الخطاب الرسمي وشبكات الفساد بات خطيرًا، لا فقط لأنه يُظهر هشاشة الرقابة، بل لأنه يكشف عن تغول مافيات تعرف طريقها جيدًا إلى قلب المؤسسات.

حين ترد أسماء قضاة ونواب وكلاء ملك في ملفات التزوير، فالأمر لم يعد مجرد شبهة، بل إنذار صريح بأن العدوى وصلت إلى صميم السلطة القضائية.

لم يعد الحديث مقصورًا على فشل أكاديمي، بل على خيانة موصوفة لشرف الوظيفة العمومية، وعلى رأسها القضاء، هذه ليست سقطات فردية يمكن إصلاحها بإقالات صامتة، بل هي ورم سرطاني يجب استئصاله علنًا، بكل أدوات الجراحة الجذرية.

الملك، بما يرمز إليه من وحدة وسيادة، ليس من الممكن أن يُتابع كل تفصيل في التعيينات، لكنه يمنح ثقته للمؤسسات التي تُفترض فيها الكفاءة والنزاهة، وحين تخون هذه المؤسسات تلك الثقة، فإنها لا تخون فقط التوجيهات العليا، بل تضع نفسها في خانة أعداء الوطن،"كنشوها هكذا"، من يمرر شهادة مزورة اليوم، سيمرر حُكمًا ظالمًا غدًا، ومن يتستر على الفساد الأكاديمي، سيُطبع مع مافيات العدل لاحقًا.

العدالة لا تُبنى بالتقارير، بل تُبنى بالضمير، والضمير لا يُورّث، بل يُربّى في مؤسسات صادقة، وفي هياكل لا تفتح أبوابها إلا لمن يستحق، كل مسؤول تورط في تمرير هذه الكارثة يجب أن يُحاسب، من الأساتذة الجامعيين المتورطين إلى الوسطاء الإداريين، وصولاً إلى الذين ضمنوا عبور الشهادات إلى لوائح التوظيف القضائي.

الصمت في هذه اللحظة جريمة مضاعفة، والتردد تواطؤ ناعم مع الفساد.

يجب على وزارة العدل ووزارة التعليم أن تُعلنا بصراحة عن فتح ملف شامل لمراجعة كل الشهادات والولوجيات القضائية منذ خمس أو عشر سنوات على الأقل، فالتستر على التزوير جريمة لا تقل خطورة عن التزوير نفسه، ومن يسكت اليوم عن هذه المهزلة سيتحول غدًا إلى شاهد زور على خراب الدولة من الداخل، نحن أمام قضية تمس أمن الدولة، واستقرارها المؤسساتي، وثقة الشعب في دولته.

الشرفاء من القضاة، وهم موجودون وبكثرة، لا يكفي أن نحتمي بهم لفظيًا، بل يجب أن نمنحهم بيئة نظيفة يُمكنهم من خلالها استعادة الهيبة، لا يُمكن لقاضٍ نزيه أن يعمل في فضاء موبوء بالمزورين والمُعينين بالوساطة.،العدالة لا تعيش في مستنقع، بل في بيئة عالية النقاء، ولذلك لا يكفي الحديث عن تطهير بل يجب الشروع فيه فورًا وبلا هوادة.

كيف نطلب من المواطنين احترام القوانين إذا كان من يصدرها لا يحمل أهلية إصدارها؟

كيف نُقنع جيلًا بأهمية التعليم والنزاهة، إذا كانت المناصب تمنح لمزوّري شواهد لم يسبق لهم أن دخلوا قاعات المحاضرات؟

 لقد تحوّل الوضع إلى مسخرة وطنية، ولم يعد مقبولًا التعامل مع هذه الفضائح بصيغة التحقيقات جارية، لأن سرعة الفساد تتجاوز بطء العدالة.

الدولة اليوم أمام اختبار وجودي، إما أن تضع هذا الملف في مرتبة قضايا الأمن القومي، أو تستعد لتفكيك ممنهج لمؤسساتها من الداخل، فالمزيفون لا يحملون فقط شواهد وهمية، بل يحملون عقلية مدمرة للوطن، تجعل من كل منصب فرصة للنهب، ومن كل توقيع أداة للابتزاز. هؤلاء ليسوا موظفين، بل خلايا نائمة في جسد الدولة، يجب اجتثاثها من الجذور.

التطهير لا يعني فقط الاعتقال، بل تطهير النصوص، الإجراءات، شبكات الوساطة، لوائح التوظيف، محاضر النجاح، وكل ما يرتبط بمنظومة العدل والتعليم، أيها المسؤولون، إن كنتم تملكون ذرة شرف، فاجعلوا من هذه الفضيحة لحظة تحول، لا مناسبة لتبادل الاتهامات،  فالوطن أكبر من صراعاتكم، وأخطر من حساباتكم الضيقة.

لن تُحترم القوانين إن لم تُحترم الجهات التي تصدرها، ولن يكون هناك أمن إذا انهار القضاء، ولن يكون هناك اقتصاد إن فسد التعليم، هي سلسلة مترابطة، تبدأ من الشهادة وتنتهي بالحكم، وكل خلل فيها يعني انهيارًا وشيكًا للدولة، حتى لو تأجلت لحظته لبضع سنوات، فالحساب قادم، وعين التاريخ لا تنام.

المطلوب ليس فقط تطهير القضاء من المزورين، بل تجريم صمت من علم ولم يبلغ، وتجريم تهاون من رأى ولم يتحرك، نحن بحاجة إلى إصلاح قيمي قبل أن يكون قانونيًا، لأن أزمة الشواهد ليست في الورق، بل في النفوس التي قبلت أن تبيع الوطن مقابل منصب أو وظيفة، كل اسم يثبت تورطه في هذه الشبكات يجب أن يُشهّر به، لا انتقامًا بل تطهيرًا، لأننا في مرحلة لا تحتمل التجميل ولا التغطية، من زور الشهادة اليوم سيزوّر الأحكام غدًا، وسيدفعنا إلى الانهيار دون أن يشعر.

فهل ننتظر أن نستفيق على وطن ميت لنقول ليتنا تحركنا مبكرًا؟

إن احترام القضاء لا يبدأ من الهيكل، بل من القاعدة، من مقاعد الدراسة إلى قاعات المحاكم، من أول ورقة في ملف التوظيف إلى آخر حكم يصدر باسم جلالة الملك، إن لم تكن هذه الورقة نزيهة، فلن يكون ذلك الحكم عادلًا، وسيكون الوطن هو الضحية الكبرى، كل من يحتمي اليوم خلف السلطة والنفوذ والوساطات عليه أن يعلم أن الرياح قادمة، وأن المغاربة، ولو تأخروا، فإنهم إذا ثاروا على الفساد، فإنهم لا يُبقون ولا يذرون، فإما أن تعود للدولة هيبتها وهيبة قضائها، أو ننتظر جميعًا انهيار ما تبقى من مؤسسات كانت يومًا عنوانًا للفخر والسيادة.

لا توجد تعليقات:

للأسف، لا توجد تعليقات متاحة على هذا الخبر حاليًا.

أضف تعليقك