أنتلجنسيا المغرب:فهد الباهي/م.إيطاليا
في صمتٍ مُخجل ومريب، تصاعد دخان
فضيحة الأستاذ الجامعي بكلية الحقوق بجامعة ابن زهر، حتى صار نارا تأكل ما تبقى من
مصداقية التعليم العالي في المغرب، لم تعد القضية مجرد تجاوز أكاديمي معزول، بل
تحولت إلى بركان أخلاقي كشف زيف منظومة كاملة، عنوانها: "من يدفع أكثر يَصعد
أسرع..ويحكم الفقراء".
الفضيحة كشفت أن "الماستر"
لم يعد مجرد شهادة علمية تؤهل الكفاءات، بل صار تذكرة دخول إلى سوق النفوذ والريع
المؤسساتي، حيث تُباع المناصب ويُشترى المجد الزائف على حساب مستقبل الوطن الجريح
الصامد أمام هذه الكدمات المتتالية، أن يصل الأمر بأستاذ جامعي أن يُتابَع في
قضايا تتعلق بفساد مالي، وبحساب بنكي في إسم زوجته 8 مليارات سنتيم، فتلك ليست
قضية أخلاقية فقط، بل جريمة بحق الوطن "جبدو المحامون والقضاة" الذين
توضفوا بهذه الشهاذات المزورة "ماستر خضر ولا حمر".
ما لم يحدث في دول مشهورة "بديكتاتوريتها"
وقع عندنا، مثلا الصين، كوريا الشمالية، تايوان، الفلبين..، لم نسمع فيها عن قضاة
حصلوا على ماسترات مزورة، ولا عن محامين تسلقوا سلم العدالة على ظهر الشكارة، ولا
موثقين، ولا أستاذة جامعيين، ولا ولا ولا...
الدول الغربية مثل، فرنسا، وإسبانيا،
إيطاليا، الإنجليز... ، رغم التحرر، لم تنزل إلى درك بيع الشهادات، لأن هناك
احترام عميق لقيمة التكوين، وثقافة راسخة في ربط الجهد بالمكافأة "بشحال
الماستر يا مول الماستر".
أن يتحول القاضي إلى مشتري شهادة،
فذلك إعلان وفاة للعدالة.
أن يصبح المحامي ابن السوق لا ابن
القانون، فتلك كارثة على كل ظالم ومظلوم.
أن ينقلب الموثق إلى مزور مُقنن، فذلك
نسف للثقة التي يقوم عليها المجتمع.
ما وقع ليس سوى رأس جبل من الجليد،
تحت السطح اختبأ المئات ممن اشتروا مصائر الناس تحت الطاولة، تذبح تحته الكرامة
بلا رحمة، تنتهك الحقوق، يغتصب العدل، وتهدم ركائز الدولة.
من اشترى شهادة مزورة لم يدخل الجامعة
بحثًا عن المعرفة، بل اقتحمها بحثًا عن صفقة، تم تسلل إلى المهنة من فتحة الفساد،
وأقسم القسم فقط لأنه شرط شكلي وليس أخلاقي وعقائدي، ما جناه الشعب من هذه الفئة
هو الذل، وما جناه الوطن هو الهشاشة، وما جناه التعليم هو المهانة والعار إذ لم
يتممحاسبة الجميع مهما كانوا ومهما وصلوا في هرم الدولة، سوف يبقوا هؤلاء مثل
الأرضة تنهش ليل نهار لتنخر باقي الاعمدة.
في زمن يُحاكم فيه المواطن على
تغريدة، ويُلاحق الفقير على كسرة خبز، يتم التغاضي عن أصحاب "8 ملايير"
يتم التماهي مع وقائع بيع الشهادات، ويُطلب منا التحلي بالحكمة والفقير يسحق كل
يوم، لا، لا نريد حكمة زائفة، بل نريد عدالة غاضبة، نريد سجونًا تفتح على مصراعيها
لاستقبال هذه النخبة الفاسدة التي تهدد الوطن في الحاضر والمستقبل.
من حصل على ماستر مزور هو خائن للوطن
قبل أن يكون مخالفًا للقانون، خائن سرق مقعدًا من شاب فقير، سرق فرصة من تلميذ
نجيب تعب ليل نهار "قرا بالشمعة والقنديل وسهر الليل"، سرق روح الجامعة،
وكرامة المؤسسة، ويعد خائن لا يستحق الاحترام ولا الصفح، بل المحاسبة الصارمة
"مول جوان يحكم عليه سارق ماستر" بالسجن.
هل نُبقي على مرتزقة التعليم في
المراكز الحساسة؟
لا وألف لا..
هل نثق في قاضٍ لم يجتهد ليصل؟
لا وألف لا..
هل نُسلّم رقابنا لمحامٍ لم يقرأ
القانون، بل حفظ فقط سعر الشهادة؟
لا وألف لا..
هل نودّع الثقة إلى الأبد؟
ربما إن لميطبق القصاص الحق .
الدولة التي تصمت عن هذا تُقامر
بمستقبلها، تُطبع مع الجريمة، وتُشجع على خرابها الذاتي.
آن الأوان لإعلان حرب شاملة على
"الماستر المزور" بلا هوادة، لا لجان تأديبية ولا إعفاءات ناعمة، بل
محاكمات قضائية زجرية مفتوحة، وفضح علني أمام الامة، ومصادرة للممتلكات، وحجز لكل
درهم ملوث من الفساد لصالح خزينة الدولة.
نحتاج قطيعة أخلاقية تامة مع الماضي،
لا ترقيعًا لمركب مثقوب يسيل.
"ماستر مزور" يعني مستقبل مزور.
"ماستر مزور" يعني دولة ستنهار
من الداخل.
إن كنا حقا نؤمن بدولة المؤسسات،
فلنبدأ بالمؤسسات الأكاديمية، وإن كنا نطمح لدولة القانون، فليُحاسب أول من دنّس
القانون بشهادة اشتراها أو باعها، وإن كنا نريد عدالة، فلتكن بلا استثناءات ولا
حصانات،"الكمرة تعري الليل".
الوطن يُبنى بالثقة، وهذه الثقة ذُبحت
في قاعة من قاعات جامعة إبن الزهر على حساب ماستر، وأُزهقت تحت طاولة رشوة، ودُفنت
في حساب بنكي يُحوي 8 ملايير.
نحن في مرحلة فاصلة، إما أن نُعلن
"الطوارئ الأخلاقية"، أو ننتظر سقوطًا لا قيامة بعده.
لا توجد تعليقات:
للأسف، لا توجد تعليقات متاحة على هذا الخبر حاليًا.
أضف تعليقك