
بقلم: سعيد الكحل.
لم تستوعب فئة من العدميين أعداء النجاح لحظة
افتتاح الجوهرة الرياضية، ملعب الأمير مولاي عبد الله بالرباط. لقد غاظتهم سرعة
الإنجاز بأيادي وخبرات مغربية محضة، وكذا دقة الإنجاز التي جعلت المنشأة الرياضية تضاهي
كبريات الملاعب الرياضية في العالم. كعادة العدميين توقعوا تعثر الإنجاز وعدم وفاء
المقاولات بتاريخ تسليم الملعب، أو ظهور عيوب في البناء أو الإنارة أو في الجوانب
الهيكلية أو التقنية للملعب. لقد خاب انتظارهم للحظة الشماتة حتى يجلدوا كل
المسؤولين، ويمارسوا هواية نصب المشانق وسحل أعضاء الحكومة؛ ولما لم يجدوا ما يغذي
شماتتهم أو يفجرها، انقلبوا نائحين، في مسعى خسيس لتحويل لحظة الفرح بالإنجاز إلى
لحظة نعيق وعويل كما تفعل النائحات في المآتم. فجأة تذكّر العدميون ضحايا زلزال
الحوز وساكنة المغرب العميق، فسارعوا إلى النبش في تقارير المندوبية السامية
للتخطيط بحثا عن إحصائيات تخص نسبة البطالة والفقر. لم يكن غرضهم معالجة المشاكل
الاجتماعية، بقدر ما كان سعيهم الخبيث إفساد لحظات الفرحة التي فجّرها افتتاح
الملعب. إنهم غربان الشؤم يكرهون الفرح ويحاربون النجاح.
كلّ يرى بعيْن طبْعِه.
اعتاد العدميون على تبخيس كل ما هو إيجابي،
سواء مكاسب سياسية أو اختراقات دبلوماسية أو إنجازات هيكلية أو مشروعات اقتصادية
أو بنيات رياضية أو برامج اجتماعية. فالعدمية قبل أن تكون حقدا إيديولوجيا يوجِّه
معتنقيه إلى تبخيس جهود الدولة بخلفية المناهضة/المعاداة لا الانتقاد، فهي طبْع
مجبول عليه الشخص العدمي، به يرى ما حوله. وصدق الشاعر إيليا أبو ماضي لما نصح هذه
العيّنة من البشر: "كن جميلا ترى الوجود جميلا"
والذي نفسه بغير جمال
لا يرى في
الوجود شيئا جميلا
إن طبع العدميين يجعل حالهم كحال من تعمى
عيناه عن جمال الورود فلا يرى غير الأشواك المحيطة بها:
وترى
الشّوك في الورود، وتعمى
أن ترى فوقها النّدى إكليلا
ومن تناقضات العدميين أنهم استكثروا على المغرب أن يكون له قصب السبق
في إنجاز مشروع القطار فائق السرعة "البراق"، أو يبني موانئ تنافس
الموانئ العالمية في التجارة واللوجستيك والصناعة والخدمات، أو يشرع في إنجاز
محطات الطاقة الشمسية. حجتهم في معارضة المشاريع الكبرى هي أن هناك أولويات تتعلق
بالفقر والبطالة والصحة؛ وهذا حق يراد به باطل. لكن حين شرعت الحكومة في تنفيذ
برنامج الدعم الاجتماعي المباشر إلى جانب نظام التأمين الإجباري عن المرض (AMO) كجزء من مشروع تعميم
الحماية الاجتماعية، خرج العدميون منتقدين الحكومة، تارة بحجة أن الدعم المباشر يشجع
على الكسل والاتكال على الدولة بدل العمل، وتارة أخرى أن أموال الدعم أحرى أن
تُوجَّه إلى خلق فرص العمل وتشجيع الاستثمار مرددين المثل الصيني (لا تعطني سمكة
ولك علمني كيف أصطاد السمك)؛ وفي أخرى يتهمون الحكومة بأنها ستوظف الدعم الاجتماعي
لتحقيق مكاسب انتخابية.
لا شك أن العدميين يتجاهلون الحقائق
والمعطيات التالية:
1 ـ إن
عدد الأسر المستفيدة من نظام الدعم الاجتماعي المباشر عند متم شهر يونيو من سنة
2025 قارب 4 ملايين أسرة (تم قبول 98,4 في المائة من ملفات طلبات الاستفادة من
الدعم الاجتماعي المباشر وفق تصريح الوزير المنتدب المكلف بالميزانية، فوزي لقجع
أمام البرلمان في يوليوز 2025). وهذا دليل على كون الدولة لم تترك الأسر المعوزة
لمواجهة مصيرها، وإنما تبذل جهودها لتوفير الدعم لها، ولتزويد السوق المغربية بكل
ما يحتاجه المواطنون ويعفيهم من الانتظام في طوابير طويلة أو من بطاقات التموين
المذِلّة للكرامة. طبعا مبلغ الدعم ليس كافيا لكنه يحفظ ماء وجهها ويغنيها عن مد
اليد.
2 ـ إن تكلفة الدعم
الاجتماعي كلّف خزينة الدولة 37.7 مليار درهم سنة 2025. وهذا مبلغ مالي جد مهم
كافي لتشييد على الأقل تسعة ملاعب من مستوى ملعب الأمير مولاي عبد الله. لكن
الدولة استطاعت المزاوجة بين الدعم الاجتماعي وبناء الملاعب الرياضية بمعايير
دولية، بالإضافة إلى تشييد مراكز استشفائية كبرى بعدد من المدن (الرباط، طنجة،
أغادير، العيون وغيرها). طبعا العدد غير كاف لتوفير الخدمات الصحية للمواطنين ذوي
الدخل المحدود. وبدل أن يكون ما تم تحقيقه مصدر فخر واعتزاز للعدميين، صار مبعث
حقد وعداء للدولة ولكل المنجزات على اختلاف مستوياتها وتكاليفها.
3 ـ إن تكلفة تأهيل ملعب الأمير مولاي عيد الله،
وفق ما جاء به مشروع قانون
المالية لسنة 2023، حددت في 40 مليار سنتيم. أما تكلفة بناء ملعب بنسليمان، الذي
يعد أحد أكبر الملاعب في العالم، فستكلف 5 مليارات درهم مغربي (500 مليون دولار).
كان من المفروض في العدميين أن يسائلوا أنفسهم بحس وطني صادق، ولكن هيهات
أن يكون لهم هذا الحس ونفوسهم مرجل حقد وعداء لا ينطفئ، كيف للدولة المغربية، ذات
الموارد المالية المحدودة، أن تنخرط في برامج اجتماعية رائدة وفي مشاريع تنموية
واقتصادية طموحة رغم ظروف الجفاف وحرب الاستنزاف المفروضة عليها من طرف النظام
الجزائري على مدى نصف قرن؟
4 ـ إن تطوير البنيات
الرياضية وتأهيلها لا ينفصل عن تطوير وسائل المواصلات وتشييد الموانئ والسكك
الحديدية والطرق السيارة. فجميع هذه المشروعات والمنشآت تساهم مباشرة في التنمية
المستدامة وخلق فرص الاستثمار والشغل. إن الملاعب الرياضية ليست ترفا ولا مضيعة
للمال العام؛ ذلك أن مردودها الاقتصادي والاجتماعي والنفسي والتربوي لا يقل أهمية
عن المشروعات الاقتصادية والإنتاجية. وأنصح العدميين بالرجوع إلى نتائج مشاورة
الكومنولث في عام 2015، مع مجموعة من خبراء الرياضة والتنمية لتقييم أفضل طريقة
لاستخدام الرياضة للمساهمة في أهداف التنمية المستدامة. وتم نشر النتائج في منشور
للكومنويلث بعنوان" الرياضة من أجل التنمية والسلام وخطة التنمية المستدامة
لعام 2030 "، وكذا منشور آخر بعنوان " تعزيز مساهمة الرياضة في أهداف
التنمية المستدامة". بالمناسبة، تشير التقديرات إلى أن الخمول البدني
الذي تلعب الرياضة بكل أنواعها دورا مباشرا في محاربته، سيكلف الهند 7.5 مليار
دولار أمريكي والمملكة المتحدة 26 مليار دولار أمريكي بحلول عام 2030 إذا لم يتم
اتخاذ التدابير المناسبة.
5 ـ إن محاربة الفقر وبناء
المستشفيات ودعم المقاولات الصغرى والمتوسطة وتوسيع شبكة الطرق والمواصلات وخلق
فرص الشغل يحتاج إلى موارد مالية مهمة عبر تنويع الاستثمارات، ومنها الاستثمار في
الرياضة التي تمثل القوة الناعمة التي جعلت المغرب، منذ مونديال قطر الذي أبهر فيه
الفريق الوطني لكرة القدم كل العالم، الوجهة السياحة الأولى في إفريقيا (بلغت
مداخيل السياحة لسنة 2024 أكثر من 110 مليارات درهم (ما
يقرب من 11.2 مليار دولار، بالإضافة إلى توفير مئات الآلاف من فرص الشغل المباشرة
وغير المباشرة). ويجدر تذكير العدميين أن الاهتمام بالرياضة وتشييد الملاعب هو من
صميم واجبات الدولة والجماعات الترابية نحو فئات واسعة من المواطنات والمواطنين،
سواء الممارسين أو المتفرجين والمشجعين الذين من حقهم ممارسة الرياضة والاستمتاع
بمشاهدة المنافسات الرياضية. لقد صارت الرياضة صناعة وعاملا مهما من عوامل التنمية
المستدامة (فرص الشغل التي توفرها الرياضة، عائدات الملاعب والإشهار وبيع حقوق
البث التلفزي، ومداخيل اللاعبين، الأعمال الخيرية والاجتماعية التي يمولها
اللاعبون (حكيم زياش، أبو خلال، حمد الله، أشرف حكيمي، بوصوفة، بلهندة وغيرهم. هذه
مجرد نماذج)، فضلا عن الآفاق التي تفتحها الرياضة أمام المواهب. وصدق موليير
بقوله: "نحن نأكل لنعيش، لا نعيش لنأكل".
لا توجد تعليقات:
للأسف، لا توجد تعليقات متاحة على هذا الخبر حاليًا.
أضف تعليقك