أنتلجنسيا:لبنى مطرفي
أصبحت الصناديق المهملة وورق التغليف المجعد جزءاً لا يتجزأ من الحياة العصرية، إذ تتراكم لتشكل جبالاً صغيرة تنتشر هنا وهناك في موسم الأعياد واحتفالات نهاية العام.
وأدى اعتماد العالم المتزايد على التجارة الإلكترونية، والسلع الاستهلاكية المعبأة، وشركات الخدمات اللوجستية العملاقة التي تنقلها، إلى طلب هائل على الكرتون، ازداد بشكل أكبر في ظل الضغوط للتحول من البلاستيك إلى البدائل الورقية.
تجوب مليارات الطرود العالم كل عام لتصل إلى المستهلكين، حيث ينطلق بعضها من المستودعات إلى منازل العملاء في غضون 24 ساعة من مجرد إضافتها إلى سلال التسوق الإلكترونية.
وتشحن شركة «أمازون» وحدها ما بين 20 و25 مليون طرد يومياً، أو ما يقرب من 10 مليارات طرد سنوياً، عبر شبكتها العالمية، وفقاً لحسابات شركة استشارات لوجستية كندية.
أي ما يعادل مليون طرد تقريباً في الساعة، أو 17300 طرد في الدقيقة، أو 290 طرداً في الثانية. ويبلغ هذا الرقم ذروته عند ما يُقدّر بنحو 30 إلى 40 مليون طرد يومياً مع اقتراب موسم الأعياد.
في المملكة المتحدة، تتلقى الأسرة البريطانية المتوسطة أكثر من 200 صندوق كرتوني سنوياً، وفقاً لمنظمة «بيوند ذا بوكس»، وهي منظمة تابعة لاتحاد صناعات الورق في المملكة المتحدة.
وتتقلص فترات التوصيل. فقد صرّحت شركة أمازون، عملاق التجارة الإلكترونية، بأن تسعة مليارات منتج وصلت إلى منازل العملاء في غضون يوم واحد من الطلب في عام 2024.
وعلى الرغم من تباطؤ مبيعات الكرتون في الولايات المتحدة وأوروبا في السنوات الأخيرة - وهو انخفاض يعزوه المحللون إلى التعديلات التي حدثت ما بعد الجائحة، وانخفاض الإنفاق الاستهلاكي، والجهود الحثيثة لتقليل التغليف - إلا أن الاستهلاك العالمي آخذ في الارتفاع، مدفوعاً بالأسواق الآسيوية.
وبشكل عام، يُنتج العالم ما يُقدّر بنحو 500 مليون طن من الورق والكرتون سنوياً، يُستخدم أكثر من نصفها في صناعة الكرتون والتغليف، مُدرّة عائدات عالمية تُقدّر بنحو 350 مليار دولار، وفقاً لمؤسسة إعادة التدوير العالمية.
ويتم إنتاج حوالي 135 مليون طن من هذه الكمية في الصين، أكبر منتج، بينما تُنتج أوروبا حوالي 95 مليون طن، والولايات المتحدة 75 مليون طن، والمملكة المتحدة 4.5 ملايين طن.
ويُصنع ما يزيد قليلاً عن نصف الإجمالي باستخدام الورق المُعاد تدويره، وهو رقم بحاجة للزيادة، حسبما يوضح رانجيت باكسي، الرئيس المؤسس لمؤسسة إعادة التدوير العالمية، والذي أمضى 35 عاماً في صناعة إعادة التدوير. وقال: «إنه مورد قيم.
كلما قل استخدامنا للورق المعاد تدويره، قل قطع الأشجار، وزادت المساحات الخضراء، وزاد امتصاص الكربون». وتشير بعض التقديرات إلى أن ربع نفايات مكبات النفايات في العالم تتكون من الورق والكرتون.
وتتصدر أوروبا قوائم إعادة تدوير الورق والكرتون، حيث يعاد تدوير ثلاثة أرباعها مقارنةً بالمعدل العالمي البالغ 62 %، وفقاً للمجلس الأوروبي لإعادة تدوير الورق.
وتحتل المملكة المتحدة أيضاً مرتبة متقدمة، بمعدل إجمالي بلغ 82 % في عام 2022، وفقاً لمنظمة «راب»، وهي منظمة غير حكومية بريطانية تدعو إلى اقتصاد دائري أكثر استدامة.
وفي حين أعيد تدوير 32 % فقط مما جُمع داخل المملكة المتحدة، أُرسل 68 % إلى الخارج، وتحديداً إلى آسيا. وتُعد صناعة الكرتون صناعة محلية للغاية، حيث تُصنع معظم الصناديق في نطاق 250 كيلومتراً من المنتجات التي تغلفها.
وفي مصنع فرز إعادة التدوير الضخم التابع لشركة بيفا شمال لندن، تستخدم مجموعة من الآلات كل شيء من المغناطيسات العملاقة إلى النفخ الهوائي وكاميرات الأشعة تحت الحمراء، لفرز الكرتون عن البلاستيك والزجاج والمعادن وأي شيء آخر يضعه سكان لندن في حاوياتهم الخضراء خلال الأسبوع. وتقول آمي هوبر، رئيسة قسم الابتكار:
«يعتقد الكثير من المستهلكين أنه لمجرد كون الشيء كرتوناً، سيتم إعادة تدويره - بغض النظر عن كيفية وضعه في الحاوية. في الواقع، فإن الكرتون المبلل، أو المغطى بالطعام، أو الممزق إلى قطع صغيرة، أو المحشو بمواد أخرى - مثل عبوات الستايروفوم - أقل عرضة لإعادة التدوير بكثير».
وقد يجهل المستهلكون أن صناديق الكرتون المستعملة، بعد وضعها في حاويات إعادة التدوير، يمكن تحويلها - إن كانت نظيفة - إلى سلعة قيّمة تُشكّل جزءاً من صناعة إعادة التدوير العالمية.
وبعد فرزها في مصانع مثل مصنع بيفا، تُباع بالات الكرتون إلى مصانع الورق، التي تدفع ما بين 50 و120 جنيهًا إسترلينياً للطن، وفقاً لموقع «لنُعيد التدوير». وهناك، تُفرم وتُنقع في الماء والمواد الكيميائية لمدة خمس دقائق تقريباً لتفكيك الألياف وإزالة الشوائب، ما يُنتج عجينة ورقية.
تصبح هذه العجينة جاهزة بعد ذلك لصنع ألواح مموجة، تتكون من طبقة ورقية مموجة محصورة بين طبقتين مسطحتين - وهي المادة المستخدمة في معظم صناديق التوصيل التقليدية.
وفي مركز اختبار بمدينة ميلتون كينز، تُحاكي شركة «دي إس سميث»، المتخصصة في تصنيع مواد التغليف، ظروف النقل القاسية عن طريق إسقاط نماذج أولية من ارتفاع أو من أعلى درج، وذلك لإيجاد التوازن الأمثل بين المتانة والوزن والتكلفة.
ورغم أن الصناديق عالية المتانة لا يُمكن إعادة تدويرها إلى ما لا نهاية، إلا أنه يُمكن إعادتها إلى نظام إعادة التدوير حتى 25 مرة - وعندها تُصبح أليافها قصيرة وضعيفة للغاية.
ولكن بإضافة لب جديد أثناء عملية إعادة التدوير، يُمكن دمج الألياف المتبقية القابلة للاستخدام في منتجات جديدة، مما يضمن إعادة استخدام معظم أجزاء أي صندوق أصلي. وهذه العملية، من بعض النواحي، تستهلك الكثير من الموارد.
عادةً ما تُبنى مصانع إعادة التدوير بجوار الأنهار لتوفير كميات المياه اللازمة، بينما تُستهلك كميات كبيرة من الطاقة في تجفيف وتشكيل ألواح الكرتون.
في حين شجع النمو الهائل للتجارة الإلكترونية في البداية على الإفراط في استخدام مواد التغليف بجميع أنواعها - من الصناديق الأكبر من اللازم إلى طبقات التبطين الإضافية - تبذل الشركات جهوداً حثيثة لتقليل كمية المواد التي تستخدمها في السنوات الأخيرة.
وقد ساهم تبني التكنولوجيا الرقمية في جعل العمليات أكثر كفاءة، بينما يُمكّن الذكاء الاصطناعي الشركات بشكل متزايد من التنبؤ باحتياجات التغليف وتقليل استخدام الموارد.
وعلى سبيل المثال، تُطلق أمازون آلات تغليف آلية، قالت إنها قادرة على إنتاج صناديق وأكياس ورقية مصممة خصيصاً لكل منتج. وتستخدم هذه الآلات المُعاد استخدامها.
والتي طُوّرت في الأصل للأكياس البلاستيكية، أجهزة استشعار لقياس أبعاد الطلب قبل إنشاء عبوات ورقية مُخصصة قد تكون أخف بنسبة تصل إلى 90 % من صناديق الكرتون ذات الأحجام المماثلة، وفقاً لما ذكرته الشركة. كما زادت أمازون من عدد البضائع التي تُشحن بدون أي تغليف إضافي.
ويتم الآن تسليم نصف الطلبات الأوروبية بدون صندوق أمازون. وقالت الشركة إن جهودها ساهمت في توفير أكثر من 4 ملايين طن من مواد التغليف منذ عام 2015.
وقال أندرياس موندل، نائب الرئيس الأول للاستراتيجية في شركة «دي إتش إل» الألمانية للشحن، إن الشركة تعمل أيضاً على تقليل استخدام مواد التغليف في مراكز التوزيع التابعة لها، وتشجع عملاءها على فعل الشيء نفسه.
وأضاف إن لدى الشركة أنظمة تمكنها من «استغلال المساحات الفارغة» داخل الطرود واختيار أصغر أحجام الصناديق، وهي عمليات تتطلب تطويراً مستمراً لمواكبة توجهات المستهلكين.
وبموجب اللوائح الجديدة في المملكة المتحدة والاتحاد الأوروبي، ستُفرض رسوم على الشركات بناءً على وزن مواد التغليف التي تنتجها، وهي خطوة من المتوقع أن تحفز العديد من الشركات على التحول إلى مواد أخف وزنًا أو بديلة.
فعلى سبيل المثال، تفرض لوائح «مسؤولية المنتج» في المملكة المتحدة ضريبة قدرها 196 جنيهاً إسترلينياً لكل طن من الكرتون.
ومع تزايد المخاوف بشأن تأثير البلاستيك على البيئة في السنوات الأخيرة، باتت الشركات والمستهلكون ينظرون إلى الورق والكرتون على نطاق واسع كبديل أكثر استدامة. لكن الأهم، كما تقول منظمة «راب»، هو أن تختار الشركات التغليف المناسب للغرض المطلوب.
وتشمل الاعتبارات استهلاك المياه والطاقة والموارد واستخدام الأراضي، بالإضافة إلى التأثير على المناخ، فلا يعني استخدام الخشب أو الورق بالضرورة أنه أفضل، وهذه هي النقطة الأساسية.
وقد يكون البلاستيك يكون خيارًا جيدًا في بعض الحالات، مثل تغليف المواد الغذائية. كما أن أكياس البريد البلاستيكية أخف وزناً من الصناديق، ويمكن وضع كميات كبيرة منها في المركبات، مما يقلل الانبعاثات.
ومن المرجح أن يبقى الكرتون المادة المفضلة لدى العديد من شركات التجارة الإلكترونية والخدمات اللوجستية. وهو المادة المفضلة في شبكة «دي إتش إل» لأسباب بيئية، ولميزة سهولة التعامل معه مقارنةً بالتغليف البلاستيكي، المعروف بانزلاقه عن سيور النقل.
وتقول الشركة إن تحقيق التدوير الكامل للتغليف طموح، لكنه غير ممكنٍ بعد. ولا يقتصر هدف دعاة الاقتصاد الدائري على تقليل التغليف فحسب، بل يشمل أيضاً تشجيع المستهلكين على شراء كميات أقل، لا سيما خلال موسم الأعياد.
المصدر:فايننشال تايمز
لا توجد تعليقات:
للأسف، لا توجد تعليقات متاحة على هذا الخبر حاليًا.
أضف تعليقك