فايننشال تايمز:لماذا يشعر الأمريكيون بفقر متزايد رغم أنهم ليسوا كذلك؟

فايننشال تايمز:لماذا يشعر الأمريكيون بفقر متزايد رغم أنهم ليسوا كذلك؟
دولية / الأحد 07 دجنبر 2025 / لا توجد تعليقات:

أنتلجنسيا المغرب:سميرة زيدان

شهدت أمريكا خلال الأسبوعين الماضيين جدلاً اجتماعياً واقتصادياً محتدماً: ما الدخل الذي تحتاجه الأسرة حقاً لتتمكن من العيش دون ضغوط في المجتمع الأمريكي عام 2025؟ ولماذا يبدو الحد المالي لحياة الطبقة المتوسطة في ارتفاع مستمر؟

أطلق النقاش مدير الأصول مايكل غرين، الذي يرى العائلات لا تستطيع العيش براحةٍ اليوم بأقل من 140 ألف دولار سنوياً، ويعود ذلك في جزء كبير منه إلى ارتفاع تكاليف بنود الإنفاق الأساسية مثل رعاية الأطفال، والرسوم الجامعية، والرعاية الصحية.

وأثار الرقم الذي وضعه غرين استغراباً واسعاً بين الاقتصاديين الذين يدرسون هذه المسائل لكسب عيشهم، حيث يشيرون إلى أن 140 ألف دولار أعلى بنسبة 70% تقريباً من متوسط دخل الأسرة الأمريكية. كشفت سلسلة من التحليلات للبيانات التي استند إليها لإثبات وجهة نظره عن أخطاء في حساباته، ما أدى به إلى رقم أعلى بكثير مما يمكن لأي طريقة منطقية التوصل إليه، لكنّ مقاله لامس عموماً وتراً حساساً لدى البعض، الذين شعروا أنه حتى لو كانت الأرقام خاطئة، فإنها تشير إلى حقيقة مجتمعية أكبر وأكثر اتساعاً: هناك شعور متزايد بعدم الاستقرار المالي بين الطبقة المتوسطة.

ما يركز عليه غرين ومن يؤيد طرحه هو نسبة الدخل التي تنفقها الطبقة المتوسطة على الفئات الأساسية، والتي ارتفعت بشكل ملحوظ على المديين البعيد والقريب. وبإضافة النسبة المتزايدة من الدخل التي تُمثلها الرعاية الصحية (بزيادة 3 نقاط مئوية خلال العقود الأخيرة)، ورعاية الأطفال (بزيادة نقطتين)، والسكن (بزيادة 4 نقاط)، والطعام (بزيادة نقطة واحدة في السنوات الأخيرة)، يرتفع إجمالي الإنفاق على هذه التكاليف التي لا مفر منها من أكثر من ثلث الدخل المتاح للطبقة المتوسطة إلى النصف، لكن هذا النقص في الضروريات لم يؤدِّ إلى زيادة في حصة الدخل التي تنفقها الأسر الأمريكية إجمالاً على جميع الفئات، وهو ما يتماشى عموماً مع المتوسط التاريخي، بل حتى أقل قليلاً مما كان عليه عندما كانت كل هذه الأشياء أرخص بالقيمة الحقيقية. وقد أصبح هذا ممكناً في المقام الأول بفضل الانخفاضات الحادة في أسعار الملابس والإلكترونيات والأجهزة المنزلية وغيرها من السلع القابلة للتداول والمُنتَجة بكميات كبيرة، والتي عوّضت -بل أكثر- ارتفاع الخدمات الأساسية. ومن الجدير بالذكر أن هذا النمط ليس مقتصراً على الولايات المتحدة، بل هو شائع في جميع البلدان ذات الدخل المرتفع. وهناك سبب وجيه لذلك. فبدلاً من أن يوحي العبء المتزايد للتكاليف الأساسية بتآكل مستويات المعيشة -إذا تراجعنا خطوة إلى الوراء- فإنه مؤشر على أن الناس في جميع أنحاء المجتمع أصبحوا أكثر ازدهاراً.

لكن لماذا أصبحت خدمات مثل التعليم والرعاية الصحية باهظة الثمن في جميع أنحاء العالم الغني؟ لأن الأشخاص الذين يؤدون هذه الخدمات يقيمون في مجتمعات ثرية واقتصادات ديناميكية، حيث يمكنهم الحصول على أجر مرتفع بحق. بتعبير أدق، ووفقاً لملاحظة الاقتصادي الأمريكي ويليام بومول الشهيرة عام 1967، فمع نمو البلدان اقتصادياً، فإن نمو الإنتاجية نفسه الذي يُخفّض كلفة السلع القابلة للتداول يؤدي إلى تضخم كلفة الخدمات الشخصية. ولا بد للأجور في قطاعات مثل الرعاية الصحية والتعليم، التي تتطلب عملاً مكثفاً وجهاً لوجه، والتي تشهد نمواً بطيئاً (إن وُجد)، من الارتفاع لجذب الأشخاص الذين كانوا سيختارون وظائف ذات رواتب عالية في قطاعات أكثر إنتاجية. والنتيجة هي أنه حتى لو استمر الناس في استهلاك سلة السلع والخدمات نفسها، فإنهم مع ارتفاع مستويات المعيشة في بلدانهم سيجدون أن المزيد من إنفاقهم يُخصص للخدمات الأساسية.

ومن الأمثلة الأكثر وضوحاً لهذه الديناميكية، والتي أشار إليها الكاتب ماثيو يغليسياس، أن رعاية الأطفال وكبار السن كانت تشغل جزءاً أقل من ميزانيات الأسر في الماضي لأنها كانت تُؤدى عادةً دون أي تكلفة مالية من قِبل البالغين في الأسرة الذين يفتقرون إلى خيارات أكثر جاذبية في سوق العمل. والفرق بين ذلك الحين والآن هو أن الجميع أصبحوا أكثر ثراءً، لا أكثر فقراً، ما يزيد من كلفة الفرصة البديلة للبقاء في المنزل لتقديم الرعاية. من حق الطبقة المتوسطة في العالم المزدهر أن تشعر بالضيق المتزايد بسبب ارتفاع تكاليف الخدمات الأساسية، لكن في واقع الأمر يعد هذا الضيق والازدهار وجهين لعملة واحدة.

المصدر:فايننشال تايمز

لا توجد تعليقات:

للأسف، لا توجد تعليقات متاحة على هذا الخبر حاليًا.

أضف تعليقك