أنتلجنسيا المغرب:لبنى مطرفي
تصدّر جنسن هوانغ، الرئيس التنفيذي لشركة إنفيديا، صاحب الشخصية الجذابة والجاكت الجلدي، عناوين الأخبار الأسبوع الماضي، ولا عجب في ذلك: فقد كشفت شركته، الرائدة في قطاع الذكاء الاصطناعي، الأربعاء عن إيرادات للربع الثالث بلغت 57 مليار دولار، بزيادة قدرها 62% على أساس سنوي.
وقد أدى ذلك إلى ارتفاع حاد لأسهم التكنولوجيا، بعد أن تراجعت في وقت سابق بسبب مخاوف من أن تقييمات الذكاء الاصطناعي دخلت طور الفقاعة. وبدأت تظهر «عناصر من اللاعقلانية»، على حد تعبير سوندار بيتشاي، رئيس شركة ألفابت، المالكة لـ«جوجل».
وقد احتفل هوانغ بهذه النتائج المذهلة، وصرح قائلاً: «هناك الكثير من الحديث عن فقاعة الذكاء الاصطناعي. لكن من وجهة نظرنا، نرى شيئاً مختلفاً تماماً»، مشيراً إلى الطلب الهائل على الرقائق التي تنتجها شركته.
لكن بينما استحوذ هوانغ على الأضواء، تصدرت شخصية ثانية أقل شهرة عناوين الأخبار هي الأخرى هذا الأسبوع: يان لوكان، العالم الفرنسي الأمريكي الحائز على جوائز متعددة كرائد في مجال الذكاء الاصطناعي.
فقد أكد تقرير لفاينانشال تايمز الأربعاء الماضي أيضاً أن لوكان سيترك منصبه الحالي ككبير علماء «ميتا» قريباً ليؤسس شركته الناشئة الخاصة. وهذا هو الوضع المعتاد لثقافة وادي السيليكون المحمومة.
كما أن خبراء التكنولوجيا توقعوا رحيله منذ أن عيّن مارك زوكربيرج، مؤسس ميتا، ألكسندر وانغ، البالغ من العمر 28 عاماً، لقيادة فريقه الجديد «للذكاء الفائق». وقد بدا وضع لوكان، البالغ من العمر 65 عاماً تحت إشراف عضو من الجيل «زد»، أمراً مبالغاً فيه.
لكن ما هو أهم في هذا السياق هي خطط لوكان. ففي السنوات الأخيرة، هيمن النهج التقني القائم على نماذج اللغة الكبيرة والإحصاءات الموضحة في ورقة بحثية ثورية عام 2017 على سباق الذكاء الاصطناعي.
ومنذ ذلك الحين، أطلقت ما يسمى بتقنية «التحويل» منتجات مثل «شات جي بي تي»، لكن لوكان يعتقد أن نماذج اللغة الكبيرة قد وصلت إلى حدودها القصوى.
وبدلاً من ذلك، وكما أشار في ورقة بحثية عام 2022، فإنه يفضل الآن «النماذج العالمية»، التي تستخدم نهجاً لفرز المعلومات مستوحى من الكيفية التي يتعلم البشر. وصرح لوكان في وقت سابق من هذا الشهر:
«نماذج اللغة الكبيرة رائعة، إنها مفيدة، ويجب أن نستثمر فيها لأن الكثير من الناس سيستخدمونها، لكنها ليست الطريق للوصول إلى ذكاء بمستوى الذكاء البشري. لذا، من أجل الثورة القادمة، علينا أن نتراجع خطوة إلى الوراء».
لكن هل هذا مهم بالفعل؟ يعتقد بعض خبراء التقنية أنه لا يهم. ففي النهاية، لا يسير الابتكار أبداً في خط مستقيم. وفي الوقت الحالي، كما يشير هوانغ، فإن الحماس على الذكاء الاصطناعي مرتفع جداً لدرجة أن الطلب على منتجات إنفيديا يبدو لا نهاية له تقريباً.
لكن رمزية تزامن تصريحات هوانغ ولوكان أمر رائع، ولا ينبغي تجاهله. فحتى الآن، تكمن المشكلة الرئيسية التي أثارت مخاوف «الفقاعة الذكية» في أن الطلب على الذكاء الاصطناعي سيكون أبطأ أو أقل مما يتوقعه المتفائلون.
وهو ما يعني أن هناك إفراطاً في التفاؤل بخصوص توقعات الإيرادات. وهذا الخطر حقيقي، بالنظر إلى أن الاستطلاعات تظهر تبايناً كبيراً في قدرة الشركات على جني مكاسب إنتاجية من الذكاء الاصطناعي.
ويأتي لوكان ليبرز كأحد رموز خطر ثانٍ، حيث تستند تقييمات الذكاء الاصطناعي المذهلة اليوم جزئياً إلى افتراض أن نماذج اللغة الكبيرة هي الخيار الرئيسي – وأنه لا يمكن استغلالها إلا من خلال نهج الإنفاق الرأسمالي الضخم الحالي ورأس المال الثقيل الذي تطلقه شركات التكنولوجيا الكبرى.
لذلك، عندما أصدرت الشركة الصينية «ديب سيك» نماذجها في وقت سابق من هذا العام، فقد أظهر ذلك وجود طرق لبناء بدائل أرخص وأصغر حجماً من الذكاء الاصطناعي، وهو ما زاد من احتمالية أن نماذج اللغة الكبيرة تحولت إلى سلعة.
و«لوكان» ليس هو الشخصية البارزة الوحيدة التي تعتقد أن نماذج اللغة الكبيرة الحالية يمكن أن تستبدل. فقد صرحت شركة «آي بي إم»، عملاقة التكنولوجيا، بأنها تعمل على تطوير أشكال مختلفة مما يُسمى بالذكاء الاصطناعي الرمزي العصبي.
وأوضحت الشركة أنه «من خلال تعزيز ودمج نقاط قوة الذكاء الاصطناعي الإحصائي، مثل التعلم الآلي، مع قدرات المعرفة الرمزية والتفكير البشري، يمكن إحداث ثورة في مجال الذكاء الاصطناعي، بدلاً من مجرد تطويره».
ويستكشف باحثون صينيون وغربيون أشكالاً مختلفة من الذكاء الاصطناعي الرمزي العصبي، بينما تعمل في في لي، المعروفة بـ«عرابة الذكاء الاصطناعي»، على تطوير نموذج عالمي يسمى «الذكاء المكاني».
صحيح أنه لا يبدو أن أياً من هذه البدائل جاهز للتنفيذ في الوقت الحالي، كما يقر لوكان بوجود عوائق عملية هائلة أمام حلمه، لكن إذا نجحت هذه البدائل، فسيثير ذلك العديد من التساؤلات الصادمة:
هل تذهب الاستثمارات الرأسمالية الضخمة الحالية لشركات التكنولوجيا الكبرى سُدى وتصبح أصولاً عالقة؟ لقد قال جيف بيزوس، مؤسس أمازون، إن هذه «فقاعة جيدة» لأنها ستخلف وراءها بنية تحتية مفيدة.
لكن من الواضح أن رقائق الذكاء الاصطناعي لها عمر افتراضي أقل من المسارات التي تم تثبيتها خلال فترة هوس السكك الحديدية في القرن التاسع عشر، أو كابلات الألياف الضوئية خلال فقاعة الدوت كوم.
كذلك، هل يمكن لنهج جديد للذكاء الاصطناعي أن يكسر سيطرة شركات التكنولوجيا الكبرى التي تحاول حالياً التفوق في الإنفاق لتعزيز هيمنة نماذج اللغة الكبيرة، لتسحق بذلك الشركات الصغيرة؟
وهل يمكن لتطورات الذكاء الاصطناعي في النهاية أن تحاكي النمط الذي رأيناه عندما حلّت فيديوهات «في إتش إس» محلّ «بيتاماكس»، أو عندما تفوّقت «فيسبوك» على «ماي سبيس»؟ لا أدري حقاً.
ربما سيتكيف قادة شركات التكنولوجيا الكبرى مع - ويواصلون الهيمنة - على أي شيء يظهر. لكن نموذج «ديب سيك» كان بمثابة تحذير، وأحياناً لا يتطلب الأمر سوى حدث صغير لخلق نقطة تحول في المعنويات.
لذا، من حق المستثمرين أن يعجبهم ما قاله هوانج هذا الأسبوع، لكن عليهم أيضاً مراقبة جحافل رواد الذكاء الاصطناعي الآخرين الأقل شهرة. وعموماً، هذه الثورة (الحقيقية جداً) لا تزال في مراحلها الأولى.
لا توجد تعليقات:
للأسف، لا توجد تعليقات متاحة على هذا الخبر حاليًا.
أضف تعليقك