أنتلجنسيا المغرب:حمان ميقاتي/كندا
في تصعيد غير مسبوق يرقى إلى مستوى
الجريمة الدبلوماسية، أقدمت قوات الاحتلال الإسرائيلي على فتح النار بالرصاص الحي
بشكل مباشر على وفد دبلوماسي أوروبي، يضم قناصلة وممثلين رسميين عن عدد من الدول
الأوروبية، من بينها المملكة المغربية، وذلك خلال زيارة ميدانية لوفد القناصلة إلى
قطاع جنين في الضفة الغربية، والذي يشهد حصارًا عسكريًا متواصلًا منذ أيام من قبل
الجيش الإسرائيلي.
الوفد، الذي كان في مهمة ميدانية
رسمية لرصد الأوضاع الإنسانية والاطلاع على تداعيات العدوان العسكري الإسرائيلي
المتكرر على المخيمات الفلسطينية، تعرض أثناء تنقله لإطلاق نار كثيف من قبل جنود
الاحتلال، رغم إبلاغ السلطات الإسرائيلية مسبقًا بمكان وزمان الزيارة، وهو ما يجعل
الحادثة فعلًا مقصودًا يطرح أسئلة عميقة حول نوايا الحكومة الإسرائيلية وسياستها
تجاه الهيئات الدبلوماسية الدولية.
وبحسب شهادات صادرة عن بعض أعضاء
الوفد، فإن الرصاص استهدف مركباتهم بشكل مباشر، مما دفع بعض الحراس الشخصيين للرد
بإجراءات وقائية وإخلاء عدد من الدبلوماسيين من الموقع تحت وابل كثيف من إطلاق
النار. ولم تسفر العملية عن خسائر في الأرواح، لكنها خلفت حالة من الهلع
والاستنفار وسط الوفد، إضافة إلى أضرار جسيمة بالمركبات.
الحدث يشكل سابقة خطيرة في سجل
الاعتداءات الإسرائيلية، حيث لم تكتف تل أبيب باستهداف المدنيين الفلسطينيين
والبنى التحتية، بل انتقلت إلى استهداف البعثات الدبلوماسية، في تحدٍّ سافر لكل
القوانين والأعراف الدولية، وعلى رأسها اتفاقية فيينا للعلاقات الدبلوماسية التي
تضمن حصانة وأمان الوفود الأجنبية في مناطق النزاع.
المغرب، الذي كان ممثلًا في هذا الوفد
من خلال قنصل بالبعثة الدبلوماسية بالقدس، أعرب عن "استنكاره الشديد لهذا
السلوك اللامسؤول"، وأكد على لسان مصدر دبلوماسي أنه "يعتبر ما جرى
اعتداءً سافرًا على السيادة الدبلوماسية، ومساسًا بالعلاقات الثنائية بين الدول،
وسابقة تستدعي فتح تحقيق دولي عاجل".
أما الاتحاد الأوروبي، فقد أصدر
بيانًا غاضبًا على لسان ممثله الأعلى للسياسة الخارجية، عبر فيه عن "صدمته
وقلقه البالغ إزاء الاستهداف المباشر لوفد رسمي يحمل الحصانة الدبلوماسية"،
معتبرًا أن هذا الاعتداء "غير مبرر ومرفوض نهائيًا، ويعرقل جهود المجتمع
الدولي في احتواء التوتر المتصاعد في الضفة الغربية".
وفي المقابل، حاولت الحكومة
الإسرائيلية التملص من المسؤولية عبر تصريحات متناقضة، إذ زعم متحدث باسم جيش
الاحتلال أن القوات "لم تكن تعلم بوجود وفد دبلوماسي في الموقع"، وهي
حجة سرعان ما انهارت أمام المعطيات التي تؤكد الإخطار المسبق بالزيارة، مما يرجح
أن العملية كانت ممنهجة ضمن سياسة الترهيب التي تتبعها تل أبيب.
ردود الفعل الدولية لم تتأخر كثيرًا،
حيث دعا عدد من البرلمانيين الأوروبيين إلى عقد جلسة طارئة لمساءلة الحكومة
الإسرائيلية عن هذا الاعتداء، فيما طالبت منظمات حقوقية كبرى مثل هيومن رايتس ووتش
ومنظمة العفو الدولية بفتح تحقيق شفاف، ودعت إلى فرض عقوبات على القيادات العسكرية
الإسرائيلية المتورطة في عمليات إطلاق النار على الدبلوماسيين.
في الأثناء، خرجت مسيرات احتجاجية في
رام الله ونابلس وغزة، رفع فيها المواطنون الأعلام المغربية والأوروبية إلى جانب
العلم الفلسطيني، في رسالة تضامن مع الدبلوماسيين المستهدفين، ودعوا المجتمع
الدولي إلى كسر حاجز الصمت ومحاسبة الاحتلال على انتهاكاته المتكررة.
ما وقع في جنين ليس مجرد حادث عابر،
بل مؤشر واضح على تغوّل الاحتلال الإسرائيلي وتحلله من كل التزاماته القانونية
والأخلاقية، وهو إنذار أخير للدول الأوروبية، بأن الصمت على الجرائم السابقة لم
يفضِ إلا إلى المزيد من التمادي. استهداف الدبلوماسية يعني استهداف السلام،
واغتيال الأمل في أي تسوية سياسية قائمة على احترام المواثيق الدولية.
ختامًا، تبقى الكرة في ملعب المجتمع
الدولي، إما أن يتعامل مع الحادثة بجدية ويضع حدودًا لسلوك إسرائيل المارق، أو أن
يسلم بالعجز ويترك القانون الدولي عرضة للخرق والانتهاك، ما ينذر بانهيار المنظومة
الدبلوماسية الأممية برمتها.
لا توجد تعليقات:
للأسف، لا توجد تعليقات متاحة على هذا الخبر حاليًا.
أضف تعليقك