أنتلجنسيا المغرب:عبد الله البارودي
بينما تشدّد الدولة الخناق الجبائي على المواطنين والمقاولات، كشفت معطيات رسمية أن المداخيل الضريبية بالمغرب تجاوزت 301,9 مليار درهم خلال الأحد عشر شهراً الأولى من سنة 2025، بارتفاع لافت بلغ 14,5 في المائة، في رقم يعكس قوة التحصيل أكثر مما يعكس عدالة النظام الضريبي أو وضوح كيفية صرف هذه الموارد الضخمة.
الأرقام الصادرة عن وزارة الاقتصاد والمالية تُظهر أن الخزينة اقتربت من تحصيل ما يقارب كامل ما كان مبرمجاً في قانون المالية، بنسبة إنجاز ناهزت 94 في المائة، غير أن هذا “النجاح المحاسبي” يخفي وراءه اختلالاً بنيوياً، حيث يتحمل العبء الأكبر الأجراء والمستهلكون، في مقابل استمرار الغموض حول الأثر الاجتماعي الحقيقي لهذه الضرائب.
الضريبة على الشركات سجلت قفزة غير مسبوقة، متجاوزة التوقعات الرسمية، مدفوعة أساساً بتسويات ضريبية ضخمة، ما يطرح أسئلة حول طبيعة هذه التسويات، ومن استفاد منها، وهل تعكس عدالة جبائية أم مجرد تحصيل ظرفي من فئات محددة، في وقت لا تزال فيه قطاعات واسعة خارج دائرة الأداء الفعلي.
أما الضريبة على الدخل، فقد واصلت الصعود، مدعومة بالتسوية الطوعية وبالاقتطاع من المنبع، ما يعني عملياً أن الأجراء والموظفين يظلون الحلقة الأضعف في السلسلة الجبائية، يؤدون الضرائب بانتظام دون أن يلمسوا مقابلاً واضحاً في تحسين الخدمات العمومية أو تخفيف كلفة المعيشة.
وفي قلب هذا النظام، تبرز الضريبة على القيمة المضافة كأكثر الضرائب إثقالاً لكاهل المواطنين، باعتبارها تُفرض على الاستهلاك اليومي دون تمييز، وتُؤدى بنفس النسبة من الغني والفقير، ما يجعلها رمزاً صارخاً لانعدام العدالة الجبائية، رغم المليارات التي تضخها في خزينة الدولة سنوياً.
كما أن الضرائب الداخلية على الاستهلاك، خاصة تلك المفروضة على المحروقات والتبغ، واصلت الارتفاع بعد إلغاء إعفاءات ورفع حصص ضريبية، في خطوة زادت من كلفة الطاقة والنقل والمواد الأساسية، بينما ظل النقاش غائباً حول الأثر الاجتماعي لهذه القرارات ومن يتحمل كلفتها الحقيقية.
في المقابل، تراجعت الرسوم الجمركية نتيجة إعفاءات ظرفية، في حين ارتفعت رسوم التسجيل والتنبر، ما يعزز الانطباع بأن السياسة الجبائية تتجه أكثر نحو ما هو سهل التحصيل، لا ما هو عادل أو منصف.
ورغم ضخامة هذه الموارد، لا تزال الأسئلة الجوهرية معلقة: كيف تُصرف هذه المداخيل؟ ولماذا لا ينعكس هذا التحصيل القياسي على جودة الصحة والتعليم والحماية الاجتماعية؟ فالأرقام تكشف خزينة ممتلئة، لكنها لا تُخفي واقعاً اجتماعياً يزداد هشاشة، حيث يدفع كثيرون الضرائب بانتظام، دون أن يشعروا بأن الدولة تعيد توزيعها بعدالة أو شفافية.
لا توجد تعليقات:
للأسف، لا توجد تعليقات متاحة على هذا الخبر حاليًا.
أضف تعليقك