المخزن وحكومة أخنوش..شراكة غير معلنة لتفريخ الريع وإجهاض التنمية وهكذا تُهدر مليارات الاستثمار في المغرب

المخزن وحكومة أخنوش..شراكة غير معلنة لتفريخ الريع وإجهاض التنمية وهكذا تُهدر مليارات الاستثمار في المغرب
اقتصاد / الخميس 27 نونبر 2025 / لا توجد تعليقات:

أنتلجنسيا المغرب:ياسر اروين

نحاول في هذا الملف الاستقصائي، كشف جزء من الصناديق السوداء للاستثمار العمومي والصفقات الكبرى في المغرب، وكيف تحوّلت من أدوات للتنمية إلى آليات لإعادة إنتاج النفوذ، تقوية شبكات الريع، وإغراق المالية العمومية في التزامات بلا مردودية.

وسيكون التركيز على ثلاث صفقات كبرى، يُنظر إليها رسمياً كـ"مشاريع وطنية"، لكنها على الأرض تحولت إلى مجالات ضبابية يتحكم فيها المخزن، وتنفذها حكومة أخنوش بمنطق “الإنجاز فوق الورق” وليس “التنمية عند المواطن”.

1) صفقة "الطريق السيار المائي":مشروع لإنقاذ الفلاحة أم لإنقاذ لوبيات الريع؟

• الكلفة:

تم الإعلان عن برنامج “نقل المياه من الشمال إلى الجنوب” بكلفة إجمالية تناهز 50 مليار درهم، لكن خبراء الجيولوجيا والاستثمار يؤكدون أن التكلفة الحقيقية تتجاوز 65 مليار درهم عند احتساب كلفة الطاقة والصيانة وخطوط الضخ.

• الإشكال:

الصفقة مُنحت لشركات معروفة بقربها من نواة المخزن الاقتصادي، حيث تمت عملية الإسناد دون منافسة حقيقية، وعبر دفاتر تحملات مُفصلة بعناية على مقاس 3 شركات فقط.

كما أنه، لم تُنشر أي دراسة رسمية حول الجدوى الاجتماعية أو العائد الاقتصادي.

• التأثير المحلي:

المشروع لن يحل أزمة الماء لدى الفلاحين الصغار، بل يخدم أساساً الضيعات الكبرى الممتدة في الوسط والجنوب، أي نفس المجموعات المرتبطة بـ"ما فوق الحكومة"،فرفع سعر المياه للري سيُخرج آلاف الفلاحين من السوق خلال 2026–2027.

عموما، فالطريق السيار المائي لم يُصمم لإنقاذ الفلاحة المغربية، بل لإنقاذ استثمارات كبار الفاعلين في السوق الزراعية، ولحماية مصالح تداخل فيها الاقتصادي والسياسي والمخزني في شبكة واحدة.

2) صفقة “مدينة صناعة السيارات الجديدة”: 30 مليار درهم بلا أثر محلي

• الكلفة:

الإعلان الرسمي تحدث عن منصة صناعية جديدة بـ 30 مليار درهم لرفع القدرة الإنتاجية للقطاع الصناعي.

لكن المصادر تشير إلى أن نصف الميزانية موجه “لتجهيزات فوقية” و"تعويضات نزع الملكية" في مناطق بعيدة عن المدار الحضري.

• أين الخلل؟

الأرض التي أقيم عليها المشروع بيعت بأثمان رمزية قبل سنوات لمنتسبين إلى إدارات حساسة وأعيان محليين.

وعندما أعلنت الحكومة المشروع، ارتفعت الأسعار بشكل خرافي، وتم التعويض بمبالغ مضاعفة عشر مرات، حيث أن نفس الأسماء التي اقتنت الأرض بثمن بخس هي التي حصلت على التعويض.

• التأثير المحلي:

وُعِد سكان المنطقة بـ40 ألف منصب شغل… لكن الحقيقة أن الوظائف التي تم خلقها إلى الآن لا تتجاوز 2600 منصب، أغلبها هشّ ومؤقت، لكن:

الشركات الأجنبية جلبت يد عاملة من خارج الجهة بحجة “الخبرة”.

التجار المحليون لم يستفيدوا لأن الحكومة لم تُنشئ المناطق اللوجيستية المرافقة.

فمدينة صناعة السيارات، مثل العديد من المشاريع العملاقة، تُظهر كيف يتحول الاستثمار العمومي إلى وسيلة لإعادة إنتاج الثروة داخل دائرة ضيقة، مع غياب تام لأي أثر اقتصادي على السكان.

3) صفقات "الجيل الثالث" للبنية التحتية السياحية: عندما يصبح الاستثمار واجهة لتغذية نفوذ المخزن

• الكلفة:

تم الإعلان عن 12 مشروعاً سياحياً جديداً تتجاوز كلفتها الإجمالية 20 مليار درهم.

• أين الخلل؟

-أربعة مشاريع من أصل 12 مُنحت لشركات مرتبطة بشكل مباشر أو غير مباشر بعائلات نافذة.

-وزارة السياحة تحدثت عن “تسريع” المساطر، لكن التسريع كان يعني عملياً تجاوز دراسة الأثر البيئي والاجتماعي في بعض المناطق الحساسة.

-العقارات التي أقيمت عليها المشاريع كانت في ملك الدولة قبل أن تنتقل إلى ملكية شركات خاصة عبر مزادات "صامتة".

• التأثير المحلي:

-تدمير مساحات بيئية حساسة في الساحل الأطلسي.

-تهجير غير معلن لعشرات الأسر التي لم تحصل على تعويضات كافية.

-المنتوج السياحي الجديد مُوجّه للنخبة الأجنبية وليس للسوق المحلية، ما يعني أن العائد لن يدخل إلى الدورة الاقتصادية الوطنية بل سيخرج منها عبر التحويلات.

يمكن القول، أن الاستثمار السياحي في المغرب أصبح مجالاً لـ"غسل الريع": تُحوّل الأراضي العمومية إلى مشاريع شبه مغلقة، ثم تُقدم للرأي العام كإنجازات، بينما لا يستفيد منها إلا أقل من 1% من المنظومة الاقتصادية.

4) دور المخزن: إدارة الصفقات من وراء الستار

الملف الاستقصائي يكشف أن المخزن يمارس تأثيره عبر 5 آليات ثابتة:

التحكم في العقار العمومي:

أي مشروع كبير لا يُمكن أن يمر دون أن تستفيد منه شبكات العقار المرتبطة بالمخزن.

الصفقات بدون منافسة:

عشرات الصفقات تمر عبر مساطر “طارئة” تُقصي المنافسة وتُعيد توزيع الثروة على نفس الدائرة.

غياب الشفافية:

لا تُنشر دراسات الجدوى ولا لوائح الشركات المستفيدة بشكل كامل، ولا تقارير تقييم.

شبكة الأعيان والولاة والعمال:

هي التي تهيّئ الظروف المحلية، من تفويت الأراضي إلى تسهيل نزع الملكية.

الحماية العليا للمستفيدين:

يمنع التدقيق أو التحقيق في أي خروقات تمسّ المشاريع الكبرى.

5) حكومة أخنوش:التنفيذ بلا مساءلة

حكومة أخنوش تتحمل مسؤولية مباشرة في هذه الفوضى الاستثمارية لثلاثة أسباب:

-غياب الإرادة السياسية لفك الارتباط مع دوائر النفوذ الاقتصادي

-الحكومة مجرد منفّذ لخطط اقتصادية تتم صياغتها خارج مجلس الحكومة.

-إغراق المالية العمومية في مشاريع بلا مردودية

فالدين العمومي بلغ مستويات خطيرة، بينما الأثر الاقتصادي للمشاريع ضئيل.

عموما، فالفشل غير مسبوق في حماية القدرة الشرائية، والاستثمارات الضخمة لم تمنع ارتفاع الأسعار ولا انهيار الأجور الحقيقية.

 المغرب على حافة “فقاعة استثمارية” يدفع المواطن ثمنها

ما يظهر من خلال تحليل الصفقات الثلاث هو أن المغرب لا يعاني فقط من أزمة اقتصادية، بل من أزمة بنيوية في طريقة إدارة الاستثمار العمومي، حيث أن:

المخزن يحتكر القرار ويعيد توزيع الثروة.

الحكومة تنفذ بلا محاسبة.

المواطن يؤدي ثمن الفاتورة مرتين: مرة عبر الضرائب، ومرة عبر غلاء المعيشة.

خلاصة الاستقصاء، فالمغرب قبيل نهاية 2025 يقف أمام مفترق طرق:إما إعادة بناء نظام استثماري شفاف ومنصف، أو استمرار اقتصاد تُهدر فيه المليارات دون أن يشعر المواطن بدرهم واحد من الفائدة.

لا توجد تعليقات:

للأسف، لا توجد تعليقات متاحة على هذا الخبر حاليًا.

أضف تعليقك