أنتلجنسيا المغرب:أيوب الفاتيحي
شهد الاقتصاد المغربي خلال الستة أشهر الأولى من سنة 2025 أداءً متباينًا، متأثرًا بالسياقات الجيوسياسية الدولية، والتغيرات المناخية، وتقلبات الأسواق العالمية.
لكنه أظهر أيضًا بعض المؤشرات الإيجابية، خاصة على مستوى القطاع السياحي والتحويلات المالية للمغاربة المقيمين بالخارج.
نمو اقتصادي محدود بفعل الجفاف وتباطؤ الاستهلاك
رغم تطلعات الحكومة لتحقيق معدل نمو يفوق 3.5 في المائة، فإن المؤشرات الأولية تشير إلى تسجيل معدل نمو متواضع، لا يتجاوز 2.7 في المائة، وفق تقديرات مؤسسات وطنية. ويُعزى هذا التباطؤ أساسًا إلى استمرار تداعيات الجفاف الذي ضرب الموسم الفلاحي، وتأثر القدرة الشرائية للأسر بسبب غلاء المعيشة، مما انعكس على مستويات الاستهلاك الداخلي.
تراجع الإنتاج الفلاحي وتأثيره على التضخم
أدى تأخر التساقطات وضعف المحصول الزراعي إلى تراجع في إنتاج الحبوب والخضروات، ما رفع أسعار المواد الغذائية، وساهم في تسجيل نسبة تضخم قاربت 4.2% خلال النصف الأول من السنة، مع ارتفاع ملحوظ في أسعار البيض، الحليب، الزيوت والسكر. هذا الارتفاع أنهك الأسر ذات الدخل المحدود والمتوسط، وعزز التوتر الاجتماعي في بعض الجهات.
الصناعة في مسار استعادة التوازن
في المقابل، أظهرت بعض القطاعات الصناعية، خاصة صناعة السيارات والكيماويات، مؤشرات انتعاش تدريجي بفضل الطلب الخارجي وتحسن الإنتاج في بعض الوحدات الصناعية الكبرى. وقد ساعد هذا التحسن في استقرار الصادرات الصناعية، مما وفر دعامة للناتج الداخلي الخام.
السياحة وتحويلات الجالية تعزز الاحتياطات
سجل قطاع السياحة خلال الأشهر الستة الأولى من 2025 أداءً قويا، مع توافد أعداد كبيرة من السياح الأوروبيين والأفارقة، بدعم من الحملات الترويجية وتحسن الخدمات الفندقية. كما استمرت تحويلات المغاربة المقيمين بالخارج في مستويات عالية، فاقت 50 مليار درهم، ما ساهم في دعم ميزان الأداءات واحتياطات النقد الأجنبي.
عجز الميزان التجاري واستمرار الضغط على المالية العمومية
رغم تحسن بعض الموارد، فإن العجز التجاري بقي مرتفعًا نتيجة ارتفاع واردات الطاقة والمنتجات الغذائية. كما لا تزال المالية العمومية تواجه ضغطًا كبيرًا، بفعل ارتفاع الإنفاق الاجتماعي وتكاليف الدعم الحكومي، ما يدفع الحكومة إلى البحث عن توازنات مالية صعبة عبر إصلاحات ضريبية وهيكلية مرتقبة خلال النصف الثاني من السنة.
بطالة مرتفعة ومطالب بإجراءات عاجلة
بلغ معدل البطالة حوالي 12.3% على المستوى الوطني، مع ارتفاعها أكثر في صفوف الشباب وحاملي الشهادات. وتُطرح تحديات كبرى أمام الحكومة في ما يتعلق بإحداث مناصب شغل مستدامة، لا سيما في ظل ضعف الاستثمار الخاص وتأخر تنزيل بعض الإصلاحات المرتبطة بتبسيط مناخ الأعمال.
خلاصة القول، يواجه الاقتصاد المغربي في النصف الأول من 2025 وضعًا معقدًا يتطلب استجابات سياسية مرنة، واستثمارًا أكبر في القطاعات المنتجة، ودعمًا للفئات الهشة. وبينما تظهر بعض بوادر الانتعاش، تبقى الحاجة ملحة لتسريع الإصلاحات الكبرى وضمان عدالة اجتماعية واقتصادية أوسع نطاقًا.
لا توجد تعليقات:
للأسف، لا توجد تعليقات متاحة على هذا الخبر حاليًا.
أضف تعليقك