أنتلجنسيا المغرب:أيوب الفاتيحي
في ظلّ الارتفاع المهول لعجز الميزان التجاري خلال سنة 2025، تصاعدت الأصوات المحمّلة لرئيس الحكومة، عزيز أخنوش، مسؤولية تدهور الوضع الاقتصادي، وسط تساؤلات حارقة حول السياسات الحكومية المُعتمدة ومدى فعاليتها في تعزيز الإنتاج الوطني وتقليص التبعية للخارج.
أرقام صادمة: العجز التجاري يتفاقم
وفق أحدث التقارير الصادرة عن مكتب الصرف، تجاوز عجز الميزان التجاري المغربي عتبة 300 مليار درهم مع نهاية الربع الأول من سنة 2025، مدفوعًا بارتفاع قياسي في واردات المواد الغذائية والطاقة، مقابل أداء باهت للصادرات، خاصة الفلاحية والصناعية، التي كانت تعدّ من نقاط القوة في برامج الحكومة الحالية.
الزيادة في واردات الحبوب والغاز الطبيعي ساهمت بشكل كبير في تأزيم الميزان، رغم محاولات الحكومة استيراد الغاز بتكاليف مخففة، إلا أن اضطرابات السوق الدولية وانخفاض قيمة الدرهم جعلا الأمر أكثر تعقيدًا.
الأخطاء الاستراتيجية: الفلاحة والطاقة في قلب العاصفة
يتهم عدد من الخبراء السياسات الفلاحية التي أشرف عليها أخنوش، سواء خلال ولايته الوزارية أو بعد توليه رئاسة الحكومة، بأنها ركزت على الزراعة التصديرية الكبرى (الأفوكادو، البطيخ، الورديات...) على حساب الأمن الغذائي الوطني، ما جعل المغرب أكثر هشاشة أمام تقلبات المناخ وسوق الحبوب العالمية.
من جهة أخرى، فشل الحكومة في تسريع مشاريع الطاقات المتجددة، والاكتفاء الذاتي من الغاز والكهرباء، جعل المغرب عرضة للتبعية الطاقية في زمن الأزمات.
هل سقط "البرنامج الحكومي" في اختبار الواقع؟
كان من أبرز وعود حكومة أخنوش عند تنصيبها سنة 2021 هو دعم الإنتاج الوطني، تحسين الميزان التجاري، وتشجيع "صُنع في المغرب". غير أن الواقع بعد أربع سنوات يُظهر أن هذه الالتزامات لم تجد طريقها للتنفيذ بالشكل المطلوب.
ضعف الصناعات التحويلية، استمرار الاعتماد على المواد الخام المستوردة، وتعثر مشاريع السيادة الصناعية، كلها مؤشرات تؤكد إخفاق الحكومة في خلق توازن بين التصدير والاستيراد.
الأصوات المعارضة: أين النمو؟ وأين السيادة الاقتصادية؟
المعارضة البرلمانية شددت، في أكثر من مناسبة، على أن الحكومة الحالية تتحمل "مسؤولية مباشرة" في التدهور الحالي للميزان التجاري، بسبب غياب رؤية اقتصادية مندمجة، وعجز عن التحكم في واردات غير ضرورية، إلى جانب عدم الاستثمار الحقيقي في الصناعات الوطنية.
وقالت نائبة برلمانية عن حزب يساري:
"نعيش في ظل حكومة تُسوّق الإنجازات في الإعلام، بينما الواقع الاقتصادي ينزف. العجز التجاري يعني أننا نستهلك أكثر مما ننتج، ونفقد فرص العمل ونزيد من المديونية الخارجية."
دعوات لمراجعة السياسات الاقتصادية والعودة للإنتاج الوطني
يطالب خبراء الاقتصاد، وفاعلون من المجتمع المدني، بضرورة إعادة النظر في النموذج الاقتصادي الحالي، والعودة إلى تشجيع الإنتاج المحلي، خاصة في الصناعات الغذائية والصيدلانية والطاقية، إلى جانب فرض رقابة صارمة على الاستيراد، ومحاربة الريع والاحتكار.
كما دعت هيئات مهنية إلى تفعيل استراتيجية واضحة لإعادة التوازن التجاري، تقوم على دعم المقاولات الصغيرة والمتوسطة، وتحفيز التصدير الحقيقي وليس فقط ترحيل المواد الأولية.
حكومة أخنوش أمام اختبار السيادة الاقتصادية
لا يمكن الحديث عن استقرار اقتصادي في المغرب دون معالجة العجز التجاري الذي أصبح يُنذر بتبعات اجتماعية واقتصادية خطيرة.
ورغم تبريرات الحكومة المتكررة المرتبطة بالأزمات الدولية، إلا أن الشارع المغربي، والطبقة الاقتصادية، ينتظران من عزيز أخنوش أجوبة حقيقية وإجراءات ملموسة، لا شعارات استهلاكية.
فهل تنجح الحكومة في كبح النزيف التجاري قبل نهاية ولايتها؟ أم أن الأزمة مرشحة لمزيد من التفاقم؟
لا توجد تعليقات:
للأسف، لا توجد تعليقات متاحة على هذا الخبر حاليًا.
أضف تعليقك