"الدوارة" بلا خروف..المغاربة يتشبثون بطقوس عيد الأضحى رغم منع الذبيحة

"الدوارة" بلا خروف..المغاربة يتشبثون بطقوس عيد الأضحى رغم منع الذبيحة
اقتصاد / الاثنين 19 مايو 2025 - 12:00 / لا توجد تعليقات:

أنتلجنسيا المغرب:أيوب الفاتيحي

رغم القرار  الصارم بمنع ذبح الأضاحي خلال عيد الأضحى لسنة 2025، بسبب تداعيات الجفاف وتراجع القطيع الوطني، شهدت الأسواق الشعبية والحيّانية والمحلات الكبرى إقبالاً واسعًا وغير مسبوق على اقتناء "الدوارة" ومشتقاتها، في مشهد يختزل تمسك المغاربة العميق بطقوس العيد حتى في غياب "الخروف".

طقوس راسخة

منذ إعلان الحكومة قرار المنع المؤقت لذبح الأضاحي بسبب الظروف المناخية والاقتصادية الصعبة، اعتقد الكثيرون أن مظاهر العيد ستختفي من المشهد العام. لكن الواقع أثبت العكس تمامًا، حيث تحوّلت "الدوارة" (أحشاء الخروف: الكرشة، الرئة، الكبد، القلب...) إلى بديل شعبي رمزي يستعيد عبره المواطنون شيئًا من نكهة العيد ودفئه الأسري.

محلات الجزارة شهدت ازدحامًا كبيرًا، بل وارتفعت أسعار "الدوارة" في بعض المدن إلى مستويات غير مسبوقة، حيث تجاوز سعر الكيلوغرام الواحد في الدار البيضاء والرباط 120 درهمًا، وسط تهافت غير مسبوق.

حنين إلى العيد.. رغم الغياب القسري للأضحية

يؤكد العديد من المواطنين أن الاحتفال بعيد الأضحى لا يمكن اختزاله في الذبح فقط، بل هو موروث تقافي واجتماعي غني، يبدأ بتحضير الشواء و"بولفاف"، ويمر عبر جلسات العائلة، وروائح "الدوارة" المتبلة التي تعبق في الأزقة والمنازل.

تقول فاطمة، ربة بيت من سلا: "لا يمكن أن يمر العيد دون شواء، حتى لو لم نذبح. الدوارة تعيد لنا شيئًا من الفرحة."

في حين يقول محمد، جزار من مراكش: "الطلب على الدوارة هذا العام يفوق كل التوقعات. الناس يصرون على الاحتفال رغم الظروف."

الأسواق تنتعش والمهنيون يستفيدون

هذا الإقبال غير المتوقع على الدوارة أعاد بعض الأمل للمهنيين الذين تضرروا من قرار المنع، خصوصًا الجزارين وموردي اللحوم. فبعد التراجع الكبير في مبيعات اللحوم الحمراء خلال الأشهر الماضية، أعاد موسم العيد، ولو بدون أضاحٍ، دينامية جديدة للأسواق.

بعض المهنيين لجؤوا إلى استيراد كميات من "الدوارة" المجمدة من الخارج لسد الخصاص في السوق، فيما لجأ آخرون إلى ذبح رؤوس معدودة من الأبقار تحت إشراف بيطري صارم وتوزيع الأحشاء فقط.

العيد في غياب الكبش.. امتحان للذاكرة الجماعية

قرار منع الذبح لأول مرة منذ عقود، جعل من عيد الأضحى 2025 لحظة استثنائية في تاريخ المغاربة. فبين الحنين لطقوس الذبح، والخوف من تفاقم أزمة الغلاء، والبحث عن بدائل، برزت "الدوارة" كرمز مقاومة ثقافية، حافظ بها الناس على ما تبقى من طقوس العيد.

لكن هذا المشهد يطرح أيضًا أسئلة جوهرية: هل يجب أن يظل الاحتفال مرهونًا بذبح الخروف؟ وهل آن الأوان لتجديد الفهم الديني والاجتماعي لعيد الأضحى في ظل الأزمات المناخية والاقتصادية المتلاحقة؟

بين الجفاف، الغلاء، والتأقلم الشعبي

تكشف هذه الظاهرة عن قدرة المغاربة على التأقلم مع المتغيرات، والبحث عن حلول وسطى تحافظ على الهوية والفرح الجماعي، دون الوقوع في الإسراف أو التصادم مع القرارات الرسمية. فقد أثبت عيد الأضحى هذه السنة أن العيد، وإن تغيّرت أشكاله، لا يزال حيًا في الذاكرة والقلوب.

وربما تكون هذه اللحظة بداية مراجعة مجتمعية شاملة حول علاقة المجتمع بالاستهلاك الموسمي، وفهم جديد لتعاليم الدين في سياق الأزمة البيئية والاقتصادية، دون التفريط في الروح الجماعية والرمزية العميقة للأعياد.

لا توجد تعليقات:

للأسف، لا توجد تعليقات متاحة على هذا الخبر حاليًا.

أضف تعليقك