من المعارضة إلى الطاعة:كيف روّض المخزن النخب اليسارية وحوّلها إلى أدوات للقصر!؟

من المعارضة إلى الطاعة:كيف روّض المخزن النخب اليسارية وحوّلها إلى أدوات للقصر!؟
ديكريبتاج / الأحد 21 دجنبر 2025 / لا توجد تعليقات:

أنتلجنسيا المغرب:ياسر اروين

ما جرى في المغرب خلال العقود الأخيرة، لم يكن تراجعاً عفوياً لليسار أو انهياراً طبيعياً للمعارضة، بل مساراً مدروساً لتدجين النخب السياسية، خصوصاً اليسارية منها، وتحويلها من قوة إزعاج للنظام إلى جزء من آلياته الوظيفية. 

فالدولة، ومعها المخزن، اشتغلت بهدوء وفعالية على تفكيك خطاب المعارضة من الداخل، لا عبر القمع المباشر فقط، بل عبر الاحتواء والإغراء وإعادة الإدماج.

من الصدام إلى الاحتواء

بعد سنوات من المواجهة المفتوحة، انتقلت السلطة من منطق العصا إلى منطق الاحتواء. فُتحت أبواب المؤسسات، قُدّمت مناصب ومسؤوليات، وتم إدماج رموز يسارية في الحكومة والبرلمان والمجالس والمؤسسات الاستشارية.

هكذا تحوّل جزء مهم من النخب التي كانت ترفع شعارات التغيير الجذري إلى مدافعين عن “الاستقرار” و“الواقعية السياسية”.

اليسار بين الترويض والانقسام

السار المغربي، الذي كان تاريخياً صوت الفقراء والمهمشين، دخل مرحلة انقسام مزمن. جزء اختار خط “المشاركة من الداخل”، ففقد استقلاليته وخطابه النقدي.

وجزء آخر أُنهك بالتهميش والتضييق، وفقد القدرة على التأثير.، والنتيجة يسار بلا قاعدة اجتماعية، وبلا مشروع تغييري، وبلا جرأة سياسية.

المؤسسات كأداة نزع الأنياب

تحويل النخب المعارضة إلى فاعلين مؤسساتيين كان خطوة مركزية في عملية التدجين. البرلمان، المجالس، والهيئات الرسمية لم تُمنح سلطة حقيقية،

لكنها منحت الشرعية والامتياز. وهكذا جرى نزع أنياب المعارضة، وإفراغ مفاهيم مثل النضال والديمقراطية من مضمونها، وتعويضها بخطاب تقني بارد.

خطاب النقد تحت السيطرة

حتى النقد المسموح به جرى ضبطه، وسُمح بانتقادات جزئية، محسوبة، لا تمس جوهر السلطة ولا تقترب من مركز القرار. ومع مرور الوقت، أصبح كثير من اليساريين السابقين يرددون خطاب الدولة نفسه، باسم “المصلحة العليا” و“خصوصية المرحلة”، في تحول كامل من معارضة إلى تبرير.

القصر المستفيد الأكبر

في المحصلة، نجح القصر في تحييد خصومه التاريخيين دون كلفة سياسية كبيرة. فبدلاً من معارضة منظمة وقوية، بات المشهد يضم نخباً منزوعة الدسم، تؤدي أدواراً وظيفية داخل النظام، وتمنحه غطاءً سياسياً وتعددية شكلية أمام الداخل والخارج.

أزمة تمثيل ومستقبل غامض

هذا التدجين الواسع لم يمر دون ثمن. فقد ساهم في تعميق أزمة الثقة في السياسة، وفي إضعاف أي أفق لتغيير ديمقراطي حقيقي.

ومع غياب معارضة مستقلة وقادرة، يبقى السؤال مفتوحاً، من سيمثل المجتمع خارج منطق الطاعة؟

ومن سيعيد للسياسة معناها في بلد جرى فيه تحويل المعارضة إلى جزء من الزينة المؤسساتية؟

لا توجد تعليقات:

للأسف، لا توجد تعليقات متاحة على هذا الخبر حاليًا.

أضف تعليقك