أنتلجنسيا المغرب: فهد الباهي/م.إيطاليا
تحولت تصريحات وزير التعليم "محمد سعد برادة" إلى صدمة مدوية في الوعي الجماعي، بعد أن أطلق اعترافًا غير مسبوق مفاده أن المدرسة المغربية ترقد في غرفة الإنعاش، حين قال بلا تردد إنه لو أراد المغاربة تعليمًا جيدًا لأبنائهم فعليهم أن يرسلوا أبناءهم بعيدًا كما أُرسل هو إلى فرنسا ملمحا حين قال " لا بغيتو الاولاد يقراوي أنا راه أرسلني إلى بلاد بعيدة"، يقصد فرسنا التي تلقا فيها تعليمه...خرج هذا الكلام من فم وزير يفترض فيه أن يكون أول المدافعين عن المدرسة العمومية، فكان أشبه بوثيقة رسمية تُعلن وفاة المرفق العمومي للتعليم.
لم يتوقف
الوزير عند هذا الحد، بل حكى عن امرأة حت له أنها تضطر لقطع مسافة طويلة سيرًا على
الأقدام نصف ساعة يوميًا لتوصل ابنتها إلى مدرسة رائدة، بينما بقي أبناء نساء
أخريات في مدرسة غير رائدة، وكأنه يعرض خارطة تقسيم طبقي صريح يحدد من يستحق
التعليم الجيد ومن يُدفع نحو الهامش، هذا الاعتراف ليس مجرد سرد عابر، بل هو دليل
قاطع على فشل الدولة في توفير تعليم متساوٍ وقريب لكل المواطنين بدون استثناء.
وزاد الوزير
في تعميق الجرح حين دعا الآباء إلى "البحث عن المدارس الجيدة" واستعمال
كل الوسائل للوصول إليها، كلامه يؤكد بما لا يدع مجالًا للشك أن هناك مدارس ممتازة
ومدارس محتضرة، وأن الحق الدستوري في تعليم عادل أصبح حبرًا على ورق، بعدما تحول
إلى امتياز لمن يملك الوسيلة لا لمن يملك الحق، بهذه التصريحات يتأكد أن التعليم
في المغرب دخل مرحلة الطبقية الفجة، حيث تتحدد فرص الأطفال وفق قدرة أسرهم على
التنقل والإنفاق، لا وفق مبدأ تكافؤ الفرص الذي ينص عليه الستور، إنها رسالة معلنة
أن الفقير عليه أن يقبل بنصيبه من الانهيار، أما القادر فليبحث عن الأفضل في مكان
آخر.
وفي لقطة أخرى
تجمع بين السخرية والبكاء، دعا الوزير المواطنين إلى "قلبو على المدرسة لي
فيها الأساتذة مزيانين"، وهو تصريح ينسف مكانة الأسرة التعليمية ويحولها إلى
سلعة موزعة بصورة غير عادلة، وهنا يسقط آخر الأقنعة عن واقع التعليم، الذي لم يعد
رسالة نبيلة في نظر المسؤول، بل أصبح سوقًا مفتوحًا تتفاوت فيه القيمة تبعًا لمكان
المدرسة ونوعية أطرها.
أما الرسالة الأعمق،
فهي ما يقرأه كل عاقل بين السطور، الوزير يقول للمغاربة بشكل غير مباشر: من أراد
تعليمًا جيدًا فليبحث عنه خارج قريته، أو خارج مدينته، أو خارج بلده إن استطاع، في
زمن يعاني فيه المغرب أصلًا من نزيف خطير في هجرة الأدمغة، هكذا يوجه الوزير
المواطنين ـ دون خجل ـ نحو البحث عن المعرفة في الخارج بدل إصلاح الداخل.
وبذلك تتحول
تصريحات برادة إلى علامة فارقة تكشف حجم الشرخ الذي يعاني منه التعليم العمومي،
وتؤكد أن الأزمة لم تعد تقنية أو بنيوية فحسب، بل أصبحت أزمة رؤية رسمية تجهر بأن
المنظومة انتهت، وأن من يريد الخلاص فعليه أن يهرب خارجها. هذه هي الحقيقة التي
سقطت بصوت عالٍ، ولم يعد بالإمكان تغطيتها بأي خطاب تبريري.
لا توجد تعليقات:
للأسف، لا توجد تعليقات متاحة على هذا الخبر حاليًا.
أضف تعليقك