الاقتصاد المغربي بين فكي المخزن: من يُمسك فعليا برقبة الثروة في المغرب؟

الاقتصاد المغربي بين فكي المخزن: من يُمسك فعليا برقبة الثروة في المغرب؟
ديكريبتاج / الجمعة 14 نونبر 2025 / لا توجد تعليقات:

أنتلجنسيا المغرب:ياسر أروين

الاقتصاد المغربي يعيش اليوم واحدة من أعمق أزماته البنيوية، أزمة لم تُولد من ضعف الظرفية الدولية أو تقلبات الأسواق العالمية كما يدّعي الخطاب الرسمي، بل من واقع داخلي صلب: وجود منظومة اقتصادية–سياسية تتحكم فيها أقلية مترابطة تصنع القرار وتوجّهه بما يخدم مصالحها،

بينما يُترك المجتمع في مواجهة الغلاء، البطالة، وتآكل القدرة الشرائية. لقد أصبح المخزن، بمعناه التاريخي العميق، الجهاز الذي يحدّد من يربح ومن يخسر، ومن يصعد ومن يُدفَع إلى الهامش.

اقتصاد موجّه لخدمة الأوليغارشية

المعضلة الحقيقية ليست سوء تدبير ظرفي، بل هيمنة بنية أوليغارشية متشابكة تتحكم في أهم منافذ الاقتصاد: الطاقة، الأبناك، العقار، الفلاحة، الصفقات العمومية. هذه البنية لا تسير وفق قانون السوق ولا وفق المنافسة، بل وفق مبدأ الولاء والمصلحة وحماية الشبكات.

في المغرب، لا يتحوّل الرأسمال إلى نفوذ سياسي… بل النفوذ السياسي هو الذي يصنع الرأسمال.

إنها علاقة مقلوبة تجعل الاستثمار والربح والصفقات الكبرى ليست نتاج الابتكار أو الكفاءة، بل نتيجة القرب من دائرة القرار ومراكز النفوذ.

حكومة الواجهة… واقتصاد يُدار من خلف الستار

الحكومة مهما تغيّر لونها ليست سوى واجهة تُسوّق صورة مؤسساتية لقرارات تُطبخ في مستويات أعلى، داخل غرف مغلقة حيث تجتمع مصالح اللوبيات الكبرى. فالمخططات الاقتصادية الاستراتيجية، من الفلاحة إلى الطاقات إلى التجارة الكبرى، لا تُبنى بناءً على تقييمات تقنية، بل على أساس من يستفيد منها وكيف تُوزَّع الثروة الجديدة التي ستُنتَج من خلالها.

وحين تتكدّس الأرباح في جيوب نفس العائلات ونفس المجموعات، بينما يتقلص الدخل الحقيقي للمغاربة، يصير واضحا أن الاقتصاد لم يعد أداة للتنمية، بل وسيلة لإعادة إنتاج نفس النظام الاجتماعي والسياسي.

القطاع الخاص: منافسة على الورق واحتكار على الأرض

الخطاب الرسمي يتحدّث عن تشجيع الاستثمار، لكن الواقع يقول إن أغلب المستثمرين الصغار والمتوسطين محاصرون إما بالبيروقراطية أو بالاحتكارات التي تُغلق أمامهم السوق. فالمنافسة نزيهة فقط حين يتعلق الأمر بالفئات الضعيفة… لكنها تختفي حين يقترب الأمر من مصالح "الكبار".

ولهذا لم يعد غريبا أن يرى المغاربة أن الأسعار تُحدَّد خارج منطق العرض والطلب، وأن بعض القطاعات تُنهب بلا محاسبة، وأن أي محاولة لاقتحام مجال من المجالات المحروسة تنتهي بالفشل أو الإقصاء.

اقتصاد بدون سيادة… وثروة بلا توزيع

رغم كل الشعارات، الاقتصاد المغربي يفتقد لسيادته الحقيقية:

– قرار الاستثمار موجّه.

– توزيع الثروة محكوم بترتيب غير معلَن.

– الأولوية ليست للمجتمع، بل لاستقرار شبكات النفوذ.

وهنا يكمن الخطر الأكبر: حين تفقد الدولة سيطرتها على الاقتصاد أمام لوبيات مُحصّنة، يتحول الاقتصاد إلى غاية في ذاته، بدل أن يكون وسيلة لخلق فرص الشغل والعدالة الاجتماعية والتنمية.

المال العام: ريع مقنّع تحت غطاء المشاريع الاستراتيجية

المشاريع الكبرى التي تُقدَّم بصفقات بالمليارات تُسوّق للرأي العام على أنها قاطرة التنمية، لكنها في الحقيقة تُعيد توزيع المال العام نحو نفس الدوائر.

مشاريع تُمنح لنفس المجموعات، بنفس الشروط، بنفس الامتيازات، في غياب الشفافية والمحاسبة.

ولذلك لم يعد الاستثناء المغربي استثناءً في النمو… بل استثناء في استمرار اقتصاد لا تستفيد منه سوى أقلية، بينما تتحمل الأغلبية كلفة الغلاء والضرائب والبطالة.

اقتصاد بلا إصلاح ما دام المخزن الاقتصادي قائماً

أي حديث عن إصلاح اقتصادي حقيقي سيبقى مجرد حلم ما دام نفس النظام الاقتصادي قائمًا، وما دامت الأوليغارشية قادرة على توجيه القرار السياسي والتحكم في دواليب الدولة الاقتصادية. فالقضية ليست في تغيير حكومات أو إطلاق برامج جديدة، بل في إعادة توزيع السلطة الاقتصادية نفسها.

إلى أن يتحقق ذلك، سيبقى الاقتصاد المغربي مُسيّجًا، موجّهًا، ومتحكمًا فيه من فوق… بينما يبقى المغاربة تحت.

لا توجد تعليقات:

للأسف، لا توجد تعليقات متاحة على هذا الخبر حاليًا.

أضف تعليقك