أزيد من 3 ملايين ونصف مغربية فوق الثلاثين دون زواج..بين الأرقام والواقع الاجتماعي

أزيد من 3 ملايين ونصف مغربية فوق الثلاثين دون زواج..بين الأرقام والواقع الاجتماعي
ديكريبتاج / السبت 19 يوليو 2025 - 01:10 / لا توجد تعليقات:

أنتلجنسيا المغرب:أحمد الهيلالي

كشف المرصد الوطني للتنمية البشرية عن معطى لافت ومثير للنقاش، مفاده أن ما لا يقل عن 3 ملايين و671 ألف امرأة مغربية تجاوزن سن الثلاثين لم يسبق لهن الزواج. هذا الرقم، الذي يعكس تحوّلاً عميقًا في البنية الاجتماعية والديموغرافية بالمملكة، يطرح أسئلة متعددة حول تغيرات المجتمع، وتحديات الشباب، ومفاهيم الأسرة والزواج، بل وحتى أدوار الدولة في مواكبة هذه التحولات.

تغيّر القيم أم ضيق الخيارات؟

فيما يرى البعض أن هذا الرقم يعكس تحررًا نسبيًا للمرأة المغربية من الضغوطات التقليدية التي تربط الزواج بالمكانة الاجتماعية، يعتبر آخرون أن الأمر مرتبط أكثر بـاختلالات اقتصادية واجتماعية تعرقل فرص الزواج، سواء للنساء أو للرجال. فالمعيقات المالية، وتراجع القدرة الشرائية، وغلاء المعيشة، كلها عوامل تجعل من الإقدام على الزواج خطوة صعبة، تتطلب تخطيطًا ومواردًا مادية لم تعد متاحة بسهولة.

المرأة المغربية بين الاستقلال والطموح المهني

تشير العديد من الدراسات إلى أن فئة كبيرة من النساء المغربيات اليوم يفضّلن إتمام الدراسة، وتحقيق الاستقلال المالي، وتثبيت الذات مهنيًا قبل التفكير في الزواج. وقد أفرز هذا التحول في ترتيب الأولويات الزمنية والاجتماعية تأخرًا في سن الزواج، بل في بعض الحالات، تحوّلاً جذريًا في نظرة المرأة للزواج كخيار لا ضرورة.

ويقول بعض الباحثين إن هذا المعطى يعكس أيضًا تغيرًا عميقًا في العلاقة بين الجنسين داخل المجتمع المغربي، حيث لم تعد المرأة تنتظر أن تُختار، بل أصبحت تختار، وترفض، وتعيد تقييم معايير الشراكة الأسرية.

العنوسة: مفهوم مثير للجدل

لا تزال بعض الأوساط الإعلامية والاجتماعية تستعمل مصطلح "العنوسة" لوصف النساء غير المتزوجات بعد سن معينة، غالبًا ما تُحدَّد بثلاثين سنة. إلا أن هذا المفهوم بات يثير انتقادات واسعة لكونه يتضمن حكمًا قيميًا سلبيًا ومعياريًا على خيار شخصي. وتشدد أصوات نسائية وحقوقية على ضرورة تجاوز هذا الخطاب التمييزي، والتعامل مع تأخر الزواج كتحول اجتماعي طبيعي، لا كظاهرة مَرَضية.

تحديات نفسية واجتماعية صامتة

رغم هذا الخطاب التحرري المتقدم، لا يمكن إنكار أن العديد من النساء فوق الثلاثين، خصوصًا في المناطق المحافظة أو القروية، يعشن ضغطًا اجتماعيًا كبيرًا بسبب تأخر الزواج، مما يؤثر على ثقتهن بالنفس، وعلى علاقاتهن العائلية والاجتماعية. وتشير بعض التقارير النفسية إلى وجود تزايد في حالات القلق والاكتئاب لدى النساء اللائي يشعرن بأن المجتمع لا يمنحهن الاعتراف الكامل ما لم يكنّ في إطار مؤسسة الزواج.

المجتمع الذكوري في مواجهة التغيير

لا يمكن إغفال أن جانبًا من المشكلة يتعلق أيضًا بـعزوف الذكور عن الزواج في سن مبكرة، إما لأسباب اقتصادية أو لغياب الاستعداد النفسي والاجتماعي، أو حتى بسبب تطور تطلعاتهم ومفاهيمهم حول الشراكة الزوجية. وهذا ما يخلق فجوة زمنية وثقافية بين الجنسين، ويؤثر على معدل الزواج في صفوف الشريحة العمرية ما فوق الثلاثين عامًا.

غياب سياسات عمومية متوازنة

في ظل كل هذه التحولات، يطرح سؤال السياسات العمومية نفسه بقوة. فهل تعمل الدولة على تهيئة مناخ صحي وسليم لبناء الأسرة؟ وهل توجد برامج حقيقية لدعم الزواج خارج الدعم المالي؟ وهل يتم تأطير الأسرة على أساس المساواة، والكرامة، والاحترام المتبادل؟. أسئلة لا تزال في حاجة إلى أجوبة سياسية واجتماعية واضحة.

خلاصات مفتوحة: نحو خطاب اجتماعي جديد

رقم 3.6 ملايين امرأة مغربية فوق الثلاثين بدون زواج لا ينبغي أن يُفهم كمجرد إحصاء، بل كجرس إنذار لتحولات عميقة تتطلب قراءة متعددة الأبعاد: اقتصادية، ثقافية، تربوية، وسياسية. إنها لحظة تستدعي إعادة النظر في المفاهيم التقليدية حول الزواج، وفي طريقة تعامل المجتمع مع اختيارات الأفراد، بعيدًا عن الأحكام المسبقة أو النظرة الضيقة.

لا توجد تعليقات:

للأسف، لا توجد تعليقات متاحة على هذا الخبر حاليًا.

أضف تعليقك