الجزائر تتوسل مدريد في مشهد دبلوماسي يُحرج النظام العسكري أمام العالم

الجزائر تتوسل مدريد في مشهد دبلوماسي يُحرج النظام العسكري أمام العالم
ديكريبتاج / الجمعة 04 يوليو 2025 - 09:00 / لا توجد تعليقات:

أنتلجنسيا المغرب: فهد الباهي/م.إيطاليا

في واقعة أثارت جدلًا واسعًا وسخرية عارمة على مواقع التواصل، تحوّل الوزير الأول الجزائري إلى بوق استجداء دبلوماسي حين خاطب رئيس الحكومة الإسبانية بيدرو سانشيز بلغة انكسارية غير مسبوقة، قائلاً له أمام عدسات الإعلام "أقدم لك تحيات الرئيس عبد المجيد تبون...نريد أن نراك في زيارة رسمية للجزائر...نحن في انتظارك، ونحن في أمسّ الحاجة إليك".

هذا المشهد الذي وثّقته عدّة صفحات ومنابر إعلامية اعتُبر فضيحة دبلوماسية بكل المقاييس، وكشف حجم الحرج الذي يعيشه النظام الجزائري بعد سنوات من العزلة والتخبط والاصطفافات الخاطئة في ملفات إقليمية ودولية، وعلى رأسها قضية الصحراء المغربية، التي قلبت موازين السياسة المغاربية رأسا على عقب بعد أن حصد المغرب اعترافات دولية وازنة بسيادته الكاملة على أقاليمه الجنوبية.

وقد علّق العديد من النشطاء والمحللين بأن هذه الخرجة الارتجالية للوزير الأول الجزائري تعبّر عن تخبط رهيب في السياسة الخارجية للجزائر، التي لم تجد اليوم من سبيل لكسر العزلة سوى الركوع السياسي والاستجداء العلني أمام إسبانيا، البلد الذي أعلن صراحة دعمه لمقترح الحكم الذاتي المغربي في الصحراء، وهو ما أشعل أزمة بين مدريد والجزائر، انتهت بتعليق اتفاقيات وتهديدات اقتصادية جزائرية لم تجد لها صدى ولا احترام.

مشهد الوزير الجزائري يُفهم أيضًا في سياق محاولات بائسة لإعادة تطبيع العلاقات مع إسبانيا دون قيد أو شرط، وهو ما يراه المراقبون تراجعًا مفضوحًا عن التهديدات السابقة التي أطلقها النظام الجزائري، مما يعكس حالة الإفلاس السياسي التي وصل إليها النظام العسكري، الذي فقد أوراق الضغط وتلاشت مصداقيته في العواصم الأوروبية.

اللغة التي استُعملت خلال هذا اللقاء القصير، وفق تعبير عدد من المتتبعين، لا تليق بمستوى رجال الدولة، بل تعكس عقلية التبعية والخنوع التي أصبحت تطبع أداء المسؤولين الجزائريين، في وقتٍ باتت فيه الجزائر تُدار بمنطق التسوّل الجيوسياسي، لا بمنطق الندية أو الاستقلالية في اتخاذ القرار.

ما يثير السخرية أكثر هو أن الجزائر، التي كانت تملأ الدنيا صراخًا عن "السيادة" و"الكرامة"، ها هي تتوسل اليوم رئيس حكومة بلدٍ كانت قد استدعته قبل شهور على وقع غضب مصطنع، محاولة إلزامه بالتراجع عن دعمه الصريح للموقف المغربي في قضية الصحراء، لكنها فشلت فشلًا ذريعًا في إقناعه، بل وجعلته أكثر تمسكًا بموقفه.

الحدث كشف أيضًا انفصامًا في الخطاب الرسمي الجزائري، فمن جهة يهاجم الإعلام الموالي للنظام الإسبان ويصفهم بـ"الخونة"، ومن جهة أخرى يمدّ المسؤولون الرسميون أيديهم للسلام والتوسل وكأن شيئًا لم يكن، في تناقض فاضح يعكس غياب الاستراتيجية واختلال البوصلة.

ما حدث اليوم يرسخ فكرة أن الجزائر لم تعد تملك أوراق التأثير كما في السابق، وأن صراعها مع المغرب في ملف الصحراء أصبح خاسرًا على كافة الجبهات، سواء على مستوى الاتحاد الأوروبي، أو في المحافل الأممية، أو في علاقاتها الإفريقية، حيث نجح المغرب في نسج تحالفات متينة قائمة على المصالح المشتركة والشرعية الدولية.

وتتزامن هذه الفضيحة مع تزايد الضغوط الشعبية في الداخل الجزائري، وعودة نغمة القمع الأمني والاعتقالات، مما يجعل النظام يلجأ إلى سياسة الهروب إلى الأمام والتلميع الدبلوماسي في الخارج، علّه يجد نافذة تنفيس داخلية، ولو بتمريغ كرامة الدولة في أوحال التوسل السياسي.

في النهاية، قد يكون المشهد مجرد لحظة عابرة في سجل التراجيديا السياسية التي يعيشها النظام الجزائري، لكنه في الحقيقة يعكس انحدارًا غير مسبوق في الأداء الدبلوماسي، وافتقادًا لرؤية واضحة، بعدما خسر أصدقاءه، ونكث تحالفاته، وبقي وحيدًا في الساحة، يلاحق السراب على حدود "الوهم" الذي ظل يُسوّق له منذ عقود باسم "قضية الشعوب" .

لا توجد تعليقات:

للأسف، لا توجد تعليقات متاحة على هذا الخبر حاليًا.

أضف تعليقك