أنتلجنسيا المغرب:أيوب الفاتيحي
في تطور لافت يعكس ارتباكًا متزايدًا في دوائر القرار الجزائري، كشف المدير العام لمجمع "سوناطراك" الجزائري، رشيد حشيشي، عن توجه بلاده نحو إنشاء شركة مشتركة مع الشركة الموريتانية للمحروقات، تُعنى بتوزيع وتسويق المواد البترولية داخل التراب الموريتاني.
الخطوة، التي تم تقديمها إعلاميًا في إطار دعم التعاون الطاقي بين البلدين، تحمل في طياتها أبعادًا سياسية واضحة، في ظل التقارب المتزايد بين نواكشوط والرباط، والذي بات مصدر قلق علني للقيادة الجزائرية، خاصة على ضوء التغيرات الجيوسياسية التي تشهدها المنطقة المغاربية.
رهان الجزائر على سوناطراك: بترول لمواجهة التحالفات الجديدة
سوناطراك، التي تُعد الذراع الاقتصادية الأقوى في الجزائر، لطالما استُخدمت كأداة لتوسيع النفوذ الجزائري في إفريقيا والساحل، لكن اختيار موريتانيا تحديدًا هذه المرة لا يبدو بريئًا.
فبعد سلسلة زيارات وتفاهمات مغربية موريتانية خلال الأشهر الماضية، شملت مجالات الأمن والاقتصاد والتعاون الحدودي، تسعى الجزائر لاستعادة زمام المبادرة عبر الضغط الاقتصادي، مستغلة حاجة نواكشوط إلى بنى تحتية قوية في قطاع المحروقات.
وهكذا، يُطرح التعاون الطاقي في توقيت دقيق، حيث تبدو الجزائر مستعدة لتقديم الدعم التقني، بل وحتى تسهيلات مالية، من أجل كسب ودّ نواكشوط، وقطع الطريق أمام أي تحالف استراتيجي طويل الأمد مع الرباط.
الجزائر تحاول ملء فراغ لم يعد موجودًا
في الوقت الذي تتجه فيه الرباط وموريتانيا لتعزيز التعاون في مجالات النقل، الاستثمار، التكوين المهني، والحدود، بدأت الجزائر تدرك أن سياسة "الحياد" التي اتبعتها نواكشوط طيلة سنوات، قد تنقلب إلى "توازن مائل" لصالح المغرب، خصوصًا مع تغير المزاج الإقليمي ودينامية الرباط الاقتصادية في غرب إفريقيا.
محاولة استمالة نواكشوط عبر المحروقات قد تكون متأخرة، خاصة وأن موريتانيا تعوّل أكثر على شركاء يقدمون حلولًا شاملة لا تقتصر على الطاقة، بل تشمل الربط الطرقي، الموانئ، والاستثمار المباشر. وهو ما يعرضه المغرب بفعالية، عبر مقاربات تنموية بعيدة المدى بدل مقاربات ظرفية مرتبطة بتوترات عابرة.
تقارب مغربي موريتاني لا يخفي انزعاج الجزائر
التحركات الجزائرية جاءت مباشرة بعد مؤشرات متزايدة على دفء العلاقات المغربية الموريتانية، تُوجت بمشاريع بنية تحتية، واتفاقيات تعاون نوعية، منها مشروع الربط الطرقي بين الداخلة ونواذيبو، والمحادثات الجارية حول إنشاء منطقة حرة مشتركة.
ويبدو أن هذه الدينامية لا تُرضي جنرالات الجزائر، الذين يعتبرون الساحل الإفريقي مجالًا تقليديًا لنفوذهم السياسي والأمني. ومع تراجع فاعلية الدبلوماسية الجزائرية في مالي والنيجر، تتحول موريتانيا إلى الورقة المتبقية التي تسعى الجزائر للاحتفاظ بها بأي ثمن.
الغاز مقابل النفوذ: من المستفيد؟
يبقى السؤال الأساسي: هل ستنخرط نواكشوط في لعبة التوازنات الجيوسياسية، أم ستمضي قدمًا في الانفتاح على الرباط في إطار عقلانية اقتصادية لا تتأثر بحسابات الخصوم؟
الرد الموريتاني لم يظهر بعد، لكن مؤشرات السنوات الأخيرة توحي بأن موريتانيا بدأت تدرك أهمية التنويع في شراكاتها، وعدم ارتهانها لأي محور. ويبدو أن عرض سوناطراك، رغم جدواه التقنية، لن يكون كافيًا لإقناع نواكشوط بالعودة إلى مربع الاصطفاف الذي عفا عليه الزمن.
معركة نفوذ مغطاة بالنفط
بينما تُقدّم الجزائر مشروعها الطاقي في موريتانيا بلبوس "التعاون التقني"، يدرك المتتبعون أن الأمر يتعلق بمحاولة لموازنة نفوذ مغربي متصاعد في فضاء الساحل.
لكن إذا كانت الجزائر تراهن على سوناطراك، فإن المغرب يراهن على الثقة، والتكامل، واستدامة الشراكة. وفي ظل التغيرات الإقليمية، قد لا تكفي براميل النفط لحسم معركة النفوذ في غرب إفريقيا، حين يكون خصمك يقدم سككًا حديدية، موانئ، وتكوينًا بشريًا طويل الأمد.
لا توجد تعليقات:
للأسف، لا توجد تعليقات متاحة على هذا الخبر حاليًا.
أضف تعليقك