أنتلجنسيا المغرب:للا الياقوت
في خطوة غير مسبوقة وُصفت بـ"الثورية"، أعلنت السلطات الإسبانية عن اعتماد نظام رقمي جديد يسمح للمغاربة المقيمين في التراب الإسباني بالحصول على رخصة القيادة دون الحاجة لاجتياز امتحانات أو الخضوع لمواعيد إدارية معقدة، شريطة توفر شروط معينة مرتبطة بوثائق الهوية والإقامة.
هذا القرار، الذي دخل حيز التنفيذ بشكل تجريبي في عدد من المناطق الإسبانية، يثير موجة من التفاعل الواسع داخل أوساط الجالية المغربية ويعيد طرح الأسئلة حول توجهات مدريد نحو رقمنة المعاملات الإدارية وفتحها في وجه فئات واسعة من المقيمين.
رقمنة الخدمات الإدارية والمغاربة في الواجهة
النظام الجديد يندرج ضمن خطة شاملة وضعتها وزارة الداخلية الإسبانية من أجل تحديث الإدارة المرورية وتيسير الإجراءات البيروقراطية للمقيمين، خاصة من الدول التي تجمعها بإسبانيا اتفاقيات ثنائية، مثل المغرب. ويقوم النظام على قاعدة تبادل المعلومات الرقمية والتحقق من الهوية والبيانات الخاصة بالسائقين عبر بوابة إلكترونية حديثة، ما يتيح استخراج رخصة السياقة الإسبانية بشكل شبه تلقائي دون الخضوع لاختبارات القيادة أو المرور بمراحل التقويم التي كانت تفرضها المديرية العامة للمرور (DGT) سابقاً.
بدون امتحان..ولكن بشروط
الولوج إلى هذا النظام لا يعني منح "البيرمي" بشكل عشوائي أو بدون ضوابط. بل إن السلطات الإسبانية وضعت شروطاً واضحة، من بينها:
التوفر على رخصة سياقة مغربية سارية المفعول.
توفر الإقامة القانونية في إسبانيا.
عدم تسجيل أية سوابق مرورية خطيرة أو جنائية مرتبطة باستخدام المركبات.
المصادقة الرقمية على الوثائق عبر النظام الموحد للبيانات.
وتعتمد البوابة الرقمية الجديدة على نظام المصادقة الإلكترونية "Cl@ve"، الذي يسمح بمطابقة بيانات الشخص مع قواعد البيانات الرسمية، سواء تلك المرتبطة بوزارة الداخلية أو الخارجية أو حتى الإدارات الإقليمية.
ارتياح وسط الجالية المغربية
عدد كبير من أفراد الجالية المغربية المقيمة بإسبانيا رحبوا بالقرار، معتبرين أنه يشكل انفراجاً حقيقياً لواحدة من أكثر المعاملات تعقيداً والتي كانت تكلف المهاجر المغربي وقتاً ومالاً وجهداً، وأحياناً تُعرضه للاستغلال من طرف وسطاء السوق السوداء ومكاتب السياقة المشبوهة.
وصرّح أحد المقيمين المغاربة في مدريد قائلاً: "كنا ننتظر مواعيد قد تمتد لأشهر، ونخضع لاختبارات نظرية صعبة، رغم أننا نقود منذ سنوات. هذا القرار أنصفنا وأعاد بعضاً من الاعتبار للجالية".
بين التشجيع والتحفظ: هل القرار دائم أم تجريبي؟
في الوقت الراهن، لا تزال وزارة الداخلية الإسبانية تعتبر هذه الخطوة ضمن برنامج تجريبي يمتد على بضعة أشهر، وسيتم تقييم نتائجه قبل تعميمه على كافة المقاطعات. كما تجري حالياً مفاوضات تقنية مع وزارة النقل المغربية من أجل تسريع تبادل البيانات والمصادقة على الوثائق الرقمية لضمان سلاسة التطبيق.
من جهة أخرى، أبدت بعض الجمعيات الإسبانية المعنية بسلامة الطرق تحفظها على القرار، مطالبة بإدراج تقييم تقني خاص بالسائقين القادمين من دول لا تعتمد نفس المعايير في قيادة المركبات. لكن السلطات الإسبانية شددت على أن النظام الرقمي لا يمنح التراخيص دون تحقق شامل من أهلية السائق، وهو ما يضمن التوازن بين التسهيل الإداري ومتطلبات السلامة الطرقية.
هل يتوسع البرنامج ليشمل دولاً أخرى؟
بجانب المغرب، يتوقع أن يشمل هذا النظام في مراحله القادمة دولاً مثل كولومبيا، الإكوادور، بيرو، والسنغال، وهي بلدان تعرف تواجداً قوياً لجالياتها داخل التراب الإسباني. ويُرجّح أن تتحول التجربة الإسبانية إلى نموذج يُحتذى به على مستوى الاتحاد الأوروبي في حال نجاحه، خصوصاً في ظل النقاش المتواصل حول تحديث الإدارات وتخفيف العبء على المهاجرين النظاميين.
خطوة نحو الاعتراف الكامل
يبدو أن منح المغاربة رخص السياقة الإسبانية دون امتحان ليس مجرد إجراء إداري بسيط، بل هو رسالة سياسية واضحة من مدريد تعكس توجهاً نحو مزيد من الاندماج والاعتراف بالجالية المغربية كمكون فاعل في المجتمع الإسباني. كما أنه يعكس ثقة متزايدة في الشراكة مع المغرب، ويُمهّد لتعاون أوسع في ميادين الأمن، النقل، والخدمات الرقمية.
الكرة الآن في ملعب السلطات المغربية لاستثمار هذا القرار في تعميق العلاقات الثنائية وتحسين ظروف أبناء الجالية في المهجر.
لا توجد تعليقات:
للأسف، لا توجد تعليقات متاحة على هذا الخبر حاليًا.
أضف تعليقك