مافيا الأسعار تبتلع جيوب المغاربة..هل تتحرك الحكومة أم أنها شريك في الجريمة؟

مافيا الأسعار تبتلع جيوب المغاربة..هل تتحرك الحكومة أم أنها شريك في الجريمة؟
ديكريبتاج / الخميس 06 مارس 2025 - 12:00 / لا توجد تعليقات:

أنتلجنسيا المغرب:رئاسة التحرير

في سابقة لم يشهدها المغرب منذ حملة المقاطعة الشهيرة عام 2018، اشتعل غضب الشارع من جديد، وهذه المرة بسبب "السمك"، الذي تحول إلى رمز لاقتصاد الريع والاحتكار، ودفع المواطنين إلى اتخاذ قرار جماعي بمقاطعة كل المواد الغذائية التي تعرف ارتفاعًا غير مبرر في الأسعار.

لكن، وراء هذا الغلاء، تقف عصابة تتحكم في سوق السمك، تمتد أذرعها في كل الاتجاهات، وتحظى بحماية من داخل دوائر القرار.

وفي ظل حكومة غارقة في تضارب المصالح، يبدو أن المغاربة قد وصلوا إلى قناعة بأن من يستفيد من الباطل لن يدافع عن الحق.. فكيف تحول السمك إلى فتيل انفجار اجتماعي؟ ومن يتحكم في الأسعار؟ وهل تملك الحكومة الجرأة لفتح هذا الملف الحارق؟

عندما يصبح السمك أغلى من اللحم..من يسرق قوت المغاربة؟

لطالما اعتُبر المغرب بلدًا بحريًا بامتياز، فهو يملك واجهتين بحريتين تمتدان على أكثر من 3500 كلم، ويُصنّف ضمن الدول الأولى عالميًا في إنتاج السمك.

ومع ذلك، فإن أسعار السمك في الأسواق المغربية تفوق أحيانًا أسعار اللحوم الحمراء، وتظل بعيدة عن متناول الطبقة المتوسطة والفئات الفقيرة. كيف يمكن تفسير هذا التناقض؟

الحقيقة الصادمة هي أن قطاع الصيد البحري في المغرب لا يخضع لاقتصاد السوق، بل تسيطر عليه مافيا منظمة تتلاعب بالأسعار، وتفرض منطق الاحتكار والريع.

فالصياد البسيط الذي يكافح في عرض البحر لا يستفيد من ثروته البحرية، بينما تمر الأسماك عبر سلسلة طويلة من الوسطاء والسماسرة، قبل أن تصل إلى المستهلك بسعر مضاعف عدة مرات.

في ميناء أكادير، حيث يُفترض أن تُباع الأسماك بأسعار معقولة نظرًا لغزارة الإنتاج، نجد أن سعر الكيلوغرام الواحد من السردين – وهو أرخص أنواع السمك – يصل إلى 15 أو 20 درهمًا، في حين أن هذا السعر قد يصل إلى 40 درهمًا وأكثر في بعض المدن الداخلية. أما الأنواع الأخرى مثل الروبيان و"الصول" و"الميرلان"، فقد أصبحت حكرًا على الطبقات الغنية، بعدما تجاوزت أسعارها 150 إلى 300 درهم للكيلوغرام.

العصابة التي تتحكم في سوق السمك..أذرع خفية تسيطر على كل شيء

التحقيقات الميدانية كشفت أن سوق السمك في المغرب يخضع لتحكم شبكة من الكارتيلات الاقتصادية التي تتلاعب بالأسعار، انطلاقًا من الموانئ وحتى الأسواق الشعبية. هذه العصابة تتكون من:

شركات التصدير الكبرى، التي تستحوذ على أفضل أنواع السمك، وتفضّل تصديره إلى أوروبا والخليج بأسعار مرتفعة، بدلاً من بيعه في السوق المحلي.

سماسرة الجملة والموزعين الكبار، الذين يشترون كميات ضخمة من السمك بأسعار منخفضة في الموانئ، ثم يتحكمون في توزيعه بالسوق بأسعار مضاعفة.

وسطاء البيع في أسواق الجملة، الذين يفرضون على الصيادين أثمانًا متدنية، ويبيعون الأسماك لموزعين محددين، في عملية مضبوطة أشبه بالمضاربات في سوق المال.

لوبيات السياسات البحرية، التي تتلاعب بالرخص البحرية، وتمنح الامتيازات لأشخاص بعينهم، في حين يتم تهميش الصيادين الصغار، الذين يعانون من شروط غير عادلة.

الحكومة.. المتهم الأول في جريمة الغلاء!

في هذه الأزمة، تتحمل الحكومة مسؤولية مباشرة، ليس فقط بسبب فشلها في ضبط الأسعار، ولكن أيضًا بسبب علاقات المصالح المعقدة التي تربط بعض أعضائها بلوبيات الصيد البحري.

فالمغرب يعيش منذ سنوات على وقع اقتصاد "الريع"، حيث تتحكم شخصيات نافذة في تراخيص الصيد في أعالي البحار، وفي الموانئ، وفي سوق التوزيع.

وبالتالي، من غير المتوقع أن تتحرك حكومة أعضاؤها أنفسهم يملكون استثمارات في القطاع أو لديهم ارتباطات بشركات التوزيع والتصدير.

الغريب أن الحكومة لا تتدخل لتسقيف الأسعار أو تحديد هوامش الربح، كما تفعل دول أخرى، بل تترك السوق للمضاربين، بينما تتحدث عن "قانون العرض والطلب"، الذي يبدو أنه لا يعمل إلا في اتجاه واحد: رفع الأسعار على المواطن البسيط.

من بائع السمك المراكشي إلى كل مغربي.."دون كيشوط" يصارع طواحين الأسعار

وسط هذا المشهد القاتم، برز صوت بائع السمك المراكشي، الذي قرر أن يرفع التحدي ضد هذا الواقع، داعيًا المغاربة إلى مقاطعة السمك، والتوقف عن شرائه حتى تعود الأسعار إلى مستويات معقولة.

هذه الدعوة، التي تحولت إلى حملة مقاطعة واسعة، لم تكن فقط بسبب غلاء السمك، بل جاءت كرد فعل على كل مظاهر الاحتكار والفساد الذي ينخر الاقتصاد المغربي.

فالمواطن لم يعد يحتمل ارتفاع الأسعار، ولا يستطيع الاستمرار في تمويل جيوب حفنة من المليارديرات الذين يتاجرون في حاجياته الأساسية.

لكن الحملة سرعان ما وجدت نفسها في مواجهة حملة مضادة يقودها "جيش إلكتروني" مجهول الهوية، يسعى إلى التقليل من شأنها، وإعطاء مبررات غير منطقية لارتفاع الأسعار، بل وحتى شيطنة الداعين إليها.

هذا الواقع يكشف أن المغاربة لا يواجهون فقط مافيا الأسعار، بل أيضًا ماكينة دعائية تحاول أن تُنسيهم قضاياهم الحقيقية، وتحرف النقاش نحو قضايا تافهة، لإبقائهم في حالة استسلام دائم.

"جيب مفتوح"..إلى متى سيظل المواطن المغربي الحلقة الأضعف؟

ما يحدث اليوم ليس مجرد ارتفاع عابر في الأسعار، بل هو نموذج صارخ للاختلالات البنيوية التي تضرب الاقتصاد المغربي، حيث يُترك المواطن وحيدًا في مواجهة لوبيات تتحكم في كل شيء.

ففي الوقت الذي ترفع فيه الأسعار بلا مبرر، تتواصل الحملات الإعلامية المضللة التي تحاول إقناع المغاربة بأن الوضع طبيعي، وأن "الأسعار مرتفعة في كل العالم"، في تجاهل تام لحقيقة أن المغرب بلد منتج للسمك، وأن ارتفاع أسعاره بهذا الشكل هو سرقة موصوفة لقوت المواطن البسيط.

لكن السؤال الأكبر يبقى: إلى متى سيظل المغاربة يقبلون بهذا الوضع؟ هل سيستمرون في لعب دور "الجيب المفتوح" الذي يُستنزف دون رحمة، أم أن حملة المقاطعة ستكون بداية لوعي جديد يضع حدًا لهذا النزيف؟

في كل الأحوال، الأكيد هو أن "حيتان السوق" لن تتراجع بسهولة، لأن مص دماء المستهلك المغربي هو ما يبقيها على قيد الحياة.. لكن التاريخ يُخبرنا أن الجوع لا يصنع الخضوع، بل قد يكون الشرارة التي تُغير كل شيء.

لا توجد تعليقات:

للأسف، لا توجد تعليقات متاحة على هذا الخبر حاليًا.

أضف تعليقك