أنتلجنسيا المغرب:إدارة النشر
في وقت تتصاعد فيه حدة الأزمات الاقتصادية بالمغرب، حيث يرزح المواطنون تحت وطأة الغلاء الفاحش وارتفاع معدلات البطالة، يبدو أن هناك إرادة غير معلنة لتحويل انتباه الرأي العام نحو قضايا سطحية، عبر الترويج للتفاهة في الإعلام ووسائل التواصل الاجتماعي.
فالبلاد التي كانت تعرف يومًا بنضج ووعي شبابها، أصبحت اليوم غارقة في موجة غير مسبوقة من المحتوى التافه، الذي بات يطغى على النقاشات العامة، في حين يُمارَس التضييق على الأصوات الحرة والمطالِبة بالإصلاح.
غلاء المعيشة..معاناة يومية للمغاربة
أصبحت الحياة في المغرب كابوسًا اقتصاديًا للطبقات المتوسطة والفقيرة، حيث تشهد البلاد ارتفاعًا غير مسبوق في الأسعار، طال المواد الغذائية الأساسية، السكن، التنقل، وحتى الخدمات الصحية والتعليمية.
فرغم وعود الحكومة بمعالجة الأزمة، إلا أن الواقع يُشير إلى انهيار القدرة الشرائية للمواطنين في ظل استمرار تجميد الأجور وغياب سياسات اجتماعية ناجعة.
كل ذلك يحدث بينما تُواصل نخبة سياسية واقتصادية محدودة الاستحواذ على الثروات، مستفيدة من بنية اقتصادية غير متكافئة، تجعل من الرأسمال الريعي والاحتكار الممنهج القاعدة التي تحكم السوق المغربية، بدلًا من دعم المبادرات الإنتاجية وتشجيع المقاولات الصغرى والمتوسطة التي من شأنها خلق فرص الشغل.
البطالة..قنبلة اجتماعية موقوتة
رغم الشعارات الرسمية حول الاستثمارات وخلق فرص العمل، فإن أزمة البطالة بالمغرب بلغت مستويات مقلقة، خاصة في صفوف الشباب وخريجي الجامعات، الذين يجدون أنفسهم أمام آفاق مسدودة في سوق الشغل.
فبين ضعف السياسات الحكومية، وغياب رؤية واضحة لاستيعاب الكفاءات، تتفاقم أزمة البطالة، ما يدفع الآلاف إلى البحث عن الهجرة بأي ثمن، سواء عبر الطرق القانونية أو حتى ركوب قوارب الموت نحو أوروبا.
الأخطر من ذلك، أن عددا من الشباب العاطلين باتوا ضحايا لليأس والتهميش الاجتماعي، وهو ما يخلق بيئة خصبة لانتشار الجريمة، المخدرات، والتطرف، في غياب حلول جذرية تُعيد الأمل لجيل بأكمله يشعر بأنه مُهمل من قبل دولته.
الطغيان السياسي..سلاح إسكات الأصوات الحرة
وفي ظل هذا الواقع الاقتصادي والاجتماعي القاتم، يبدو أن السلطات اختارت مقاربة مختلفة لمعالجة الوضع، لا تقوم على إيجاد حلول حقيقية، بل على إخماد الأصوات المنتقدة والتضييق على حرية التعبير.
فبدلًا من محاسبة الفاسدين أو اتخاذ إجراءات ملموسة ضد الاحتكار وغلاء الأسعار، يتم تشديد الرقابة على الصحافة المستقلة، ومحاكمة النشطاء والمعارضين بتهم واهية، في محاولة لـخلق مناخ من الخوف والترهيب.
أصبحت الاعتقالات والمحاكمات أداة للسيطرة السياسية، حيث يتعرض الصحفيون، الحقوقيون، والمعارضون لمضايقات مستمرة، بينما تُهيمن على الإعلام الرسمي والخاص خطابات تُزيّن الواقع، وتروج لإنجازات غير ملموسة على أرض الواقع.
التفاهة..أداة لصرف الأنظار عن الأزمات
في مقابل هذا التدهور، نجد أن المحتوى التافه والمبتذل أصبح يحتل مساحة كبيرة في الإعلام ووسائل التواصل الاجتماعي، حيث يتم الترويج لبرامج وسائطية تعتمد على المظاهر الفارغة، الصراعات المفتعلة، و"المؤثرين" الذين لا يقدمون أي قيمة، سوى صرف الأنظار عن القضايا الحقيقية التي تؤرق المواطن المغربي.
لم يعد الإعلام في المغرب يُركز على تحليل الأزمات الاقتصادية أو فضح الفساد، بل بات أداة في يد جهات ترغب في إبقاء الرأي العام في دوامة من الاستهلاك السطحي للمحتوى الفارغ، وذلك بهدف إبعاد المواطنين عن التفكير في مشاكلهم الحقيقية.
والمثير للقلق أن هذا النهج أصبح سياسة ممنهجة، حيث يتم إغراق الفضاء الرقمي ببرامج ومسابقات فارغة، وإعلاء شأن "مشاهير التفاهة" الذين يحظون بدعم غير مفهوم، في حين يتم التضييق على أي خطاب نقدي هادف.
إلى أين يتجه المغرب؟
مع استمرار هذه الديناميكية المدمرة، يبدو أن المغرب يسير نحو مستقبل أكثر قتامة، حيث تتعاظم الهوة بين الأغنياء والفقراء، ويُحرم الشباب من حقهم في العيش الكريم، بينما تُهيمن التفاهة على الفضاء العام.
وفي ظل غياب معارضة قوية قادرة على التصدي لهذه السياسات، واستمرار الطغيان السياسي والتواطؤ الإعلامي، لا يبدو أن هناك أي نية حقيقية لتغيير هذا المسار، ما قد يقود البلاد نحو احتقان اجتماعي خطير، قد لا يكون بالإمكان السيطرة عليه مستقبلًا.
الرهان الحقيقي اليوم هو على وعي الشارع المغربي، وقدرته على التمييز بين السياسات الشعبوية والبرامج الحقيقية القادرة على إنقاذ البلاد من مستنقع الفساد والتفقير الممنهج.
فهل يستطيع المغاربة استعادة زمام المبادرة؟ أم أن التفاهة ستنتصر على الوعي، ويبقى الفساد سيد الموقف؟
لا توجد تعليقات:
للأسف، لا توجد تعليقات متاحة على هذا الخبر حاليًا.
أضف تعليقك