حتى لا تتحوّل الديمقراطية إلى سوق للذمم: دعوة لتجريم إفساد العملية الانتخابية

حتى لا  تتحوّل الديمقراطية إلى سوق للذمم: دعوة لتجريم إفساد العملية الانتخابية
أقلام حرة / السبت 11 أكتوبر 2025 - 08:57 / لا توجد تعليقات:

تهنئه بمناسبه ذكرى عيد الشباب المجيد

بقلم : د. محمد أحدو

​تُعدّ الديمقراطية في جوهرها أداة لحكم الشعب وتدبير شؤونه، وهي احدى الاليات الأساسية التي تحقق التداول السلمي على السلطة وتضمن استقرار النظم السياسية والاجتماعية للدول المعاصرة. الا انها وباعتبار الديمقراطية نفسها هي صيرورة تراكمية تنسجم مع التاريخ الاجتماعي والسياسي للدول ليست واحدة بل يختلف ايقاعها من دولة الى أخرى، ولا يمكن احداث  كافة هياكها دفعت واحدة ، ولا توجد ديمقراطية تامة وكاملة في كل النظم السياسية عبر العالم .

فهي بناء مستمر في الزمن تتطور عبر الممارسة حيث تجتهد الدول في وضع الآليات الضرورية لتحصينها والتصدي للاختلالات التي تعرفها أثناء السعي نحو تنزيلها  . 

ففي سياقنا الوطني  تجابه  الديمقراطية ببلادنا تحديا حقيقيا من خلال  آفة منتشرة في السنين الأخيرة مع تأكل النفس الايديولوجي الانتخابي للأحزاب الوطنية التي اعتمدت على. ارثها النضالي في استمالت اصوات الناخبين .    

ليحل محله المال وبيع الذمم،  مما أدى  إلى تشوهات عميقة تحوّلها  اليوم من آلية للتعبير الحر إلى مجرد عملية بيع وشراء للأصوات. هذا التحول ليس مجرد خلل عرضي، بل هو تواطؤ صريح على الديمقراطية ذاتها من مختلف المتدخلين بدءا من المواطن نفسه ، مما يهدد أسس التمثيل الشرعي ويقوّض الثقة في المؤسسات.

​إن من أخطر أعطاب المسار الديمقراطي هو التساهل المُقنن مع إفسادها. فالقوانين الانتخابية القائمة تبدو غير كافية أو متراخية في التصدّي الفعلي والحازم لظاهرة شراء أصوات الناخبين المواطنين وكبار الناخبين على حدٍ سواء. هذا التراخي القانوني يفتح الباب واسعاً أمام انتشار "تجارة الذمم"، لا سيما في سياق تشكيل مكاتب المجالس التمثيلية المحلية والجهوية وتهريب الاعضاء ، حيث يتحول المنصب العام إلى سلعة والمصلحة الوطنية إلى هامش ربح شخصي.

​إن الأثر المباشر والمدمر لهذه الوضعية على البلاد هو تسليم زمام تدبير الشؤون الاجتماعية والاقتصادية لمجموعة من "الكائنات" التي جعلت من العملية الديمقراطية "استثماراً عمومياً" ذا طبيعة خاصة. مدخل هذا الاستثمار هو شراء أصوات الناخبين في كل اقتراع، مما يُنشئ حلقة مفرغة من الفساد تبدأ من صندوق الاقتراع وتستقر في دهاليز الإدارة والتدبير.

هذا الوضع يُفضي إلى تواطؤ غير أخلاقي بين الناخب والمنتخب، وتعتبر هذه الممارسة تجسيداً للممارسة المدمرة المعروفة في الأدبيات السياسية بـ "الزبونية السياسية" .

​هنا تكمن الخلاصة الأكيدة: إن مدخل الإصلاح الاجتماعي والاقتصادي، إن كنا نؤمن حقاً بالديمقراطية كمسار، هو تحصين العملية الديمقراطية نفسها من آليات تسفيهها عبر بيع وشراء الذمم ووضع حد نهائي لهذه الظاهرة. فدون عملية انتخابية نظيفة وشرعية تمثل إرادة الأمة فعلياً، لا يمكن التعويل على أي برنامج إصلاحي أو تنموي حقيقي، لأن زمام التدبير سيبقى في أيدي من يرون في الوطن غنيمة. إن هذا التحول في جوهره يُعد شكلاً من أشكال "التدهور الديمقراطي"  ، حيث تُفرغ المؤسسات من معناها الحقيقي عبر آليات فساد ممنهج بدلاً من الإطاحة بها. كما يشير الباحثان ستيفن ليفيتسكي و دانييل زيبلات في مرجعهما1 "La mort des démocraties" (Calmann-Lévy, 2019)، فإن الديمقراطيات اليوم تموت عبر التآكل الباطني لمؤسساتها.

وتساهم هذه الآليات في تغذية ما يُعرف بـ "رأسمالية المحسوبية" ، حيث تُسترد الأموال التي تُنفق لشراء الأصوات لاحقاً عبر تسهيلات وعقود تخدم مصالح ضيقة على حساب المصلحة العامة.

​لذلك، فقد آن الأوان لوضع أسس انتخابية تنهل من المبادئ والقيم الجوهرية للديمقراطية نفسها وتجرم كل فعل يستغلها من أجل تحويلها إلى مكسب شخصي. إن استمرار هذا الوضع  هو استنزاف مضاعف؛ استنزاف للموارد الوطنية التي تُصرف أو تُهدر في غياب الكفاءة والشرعية، واستنزاف للزمن التنموي الثمين الذي يُعرقل تحقيق الطموحات المشروعة للمواطنين. إن تجريم الفساد الانتخابي وتجفيف منابع بيع الأصوات ليس مجرد إصلاح قانوني، بل هو الشرط الوجودي المسبق لإطلاق أي نهضة اجتماعية واقتصادية مرجوة، وهو ما يتطلب تفعيل مبادئ الشفافية والمساءلة بشكل جذري.

1- Steven Levitsky et Daniel Ziblatt " La mort des démocraties"Calmann-Lévy 2019

لا توجد تعليقات:

للأسف، لا توجد تعليقات متاحة على هذا الخبر حاليًا.

أضف تعليقك