أنتلجنسيا المغرب:لبنى مطرفي
تحتل الرياضة مكانة مركزية في حياة الإنسان المعاصر، ليس فقط باعتبارها نشاطاً بدنياً، بل كقيمة اجتماعية وثقافية وتنموية شاملة، تتجاوز حدود الملعب لتصل إلى عمق التوازن النفسي والجسدي داخل المجتمع. فالرياضة اليوم أصبحت إحدى الركائز الأساسية لبناء الفرد القوي القادر على الإنتاج والعطاء، ولتشكيل مجتمع متماسك يتمتع بصحة جيدة ووعي متقدم.
تمثل ممارسة الرياضة بالنسبة للفرد فرصة أساسية للحفاظ على اللياقة البدنية، وتقوية عضلات الجسم، وتحسين الدورة الدموية، والوقاية من الأمراض المزمنة مثل السكري، وارتفاع ضغط الدم، وأمراض القلب. كما تساعد على تنظيم الوزن ومحاربة السمنة التي أصبحت مشكلة عالمية. ولا تقف فوائد الرياضة عند حدود الجسد فقط، بل تمتد إلى الجانب النفسي بشكل واضح، إذ تساهم في تخفيف التوتر والاكتئاب، وتزيد من القدرة على التركيز، وتُحسّن المزاج بفضل إفراز هرمونات السعادة التي تجعل الإنسان أكثر توازناً وقدرة على مواجهة ضغوط الحياة اليومية.
أما على مستوى المجتمع، فتُعد الرياضة وسيلة فعالة لتعزيز قيم التضامن والتعاون والانضباط وروح الفريق. فالمجتمعات التي تشجع على ممارسة الرياضة تنجح غالباً في خلق أجيال أكثر صحة وانفتاحاً، قادرة على التفاعل الإيجابي، وتقبّل الاختلاف، والعمل المشترك. كما تلعب الرياضة دوراً مهماً في محاربة السلوكيات المنحرفة لدى الشباب، إذ توفر لهم بديلاً عملياً وصحياً يملأ وقتهم بما يفيد، ويُبعدهم عن مسارات الانحراف والعنف والإدمان.
اقتصادياً، لم تعد الرياضة نشاطاً ثانوياً، بل صارت قطاعاً واعداً يولد فرص عمل مهمة ويخلق دينامية اقتصادية متعددة الأبعاد. فتنظيم التظاهرات الرياضية الكبرى، وتطوير البنية التحتية من ملاعب وقاعات ومراكز تدريب، كلها عوامل تساهم في جلب الاستثمار وتنشيط السياحة ورفع مداخيل الدولة. كما أصبحت الرياضة مصدر إشعاع دولي وتطوير للقوة الناعمة، إذ ترتبط صورة الدول اليوم بمدى حضورها وتألقها في المحافل الرياضية العالمية.
ثقافياً، تسهم الرياضة في تعزيز الشعور بالانتماء والهُوية الوطنية، حيث تتحول الإنجازات الرياضية إلى لحظات وحدوية تجمع المواطنين حول شعور واحد بالفخر والاعتزاز، مهما اختلفت طبقاتهم الاجتماعية وخلفياتهم الفكرية. فهي لغة عالمية توحّد وتربط بين الشعوب، وتُعيد الاعتبار لقيم السلام والتنافس الشريف.
وفي النهاية، يتأكد أن الرياضة ليست ترفاً، ولا مجرد هواية جانبية، بل ضرورة يومية تضمن صحة الفرد، واستقرار المجتمع، ودينامية الاقتصاد، وتماسك الهوية الجماعية. لذلك، فإن الاستثمار في الرياضة وتعميم ممارستها وتوفير البنيات اللازمة لها يجب أن يمثل خياراً استراتيجياً للدول، لما لها من أثر مباشر في بناء مجتمع قوي، متوازن، وواعٍ بقيمة الحياة الصحية والتنمية الشاملة.
لا توجد تعليقات:
للأسف، لا توجد تعليقات متاحة على هذا الخبر حاليًا.
أضف تعليقك