نشرت طائرات مقاتلة قرب الحدود الجزائرية..تركيا تعيد رسم خرائط النفوذ في الساحل الأفريقي وسط انهيار المنظومة الغربية

نشرت طائرات مقاتلة قرب الحدود الجزائرية..تركيا تعيد رسم خرائط النفوذ في الساحل الأفريقي وسط انهيار المنظومة الغربية
شؤون أمنية وعسكرية / الأربعاء 26 نونبر 2025 / لا توجد تعليقات:

أنتلجنسيا المغرب:لبنى مطرفي

تشهد منطقة الساحل الأفريقي واحدة من أعمق التحولات الجيوسياسية في تاريخها الحديث، بعد سلسلة الانقلابات العسكرية التي عرفتها مالي والنيجر وبوركينا فاسو، وما تلاها من انسحاب فرنسا والولايات المتحدة وتراجع النظام الأمني الذي ظلّ لسنوات يعتمد على الدعم الغربي.

هذا الانهيار السريع فتح الباب أمام لاعب جديد بات يفرض حضوره بثبات: تركيا، التي نجحت في تحويل لحظة الفراغ إلى فرصة استراتيجية مكّنتها من إعادة تشكيل التوازنات في الإقليم عبر مقاربة تجمع بين القوة الصلبة والناعمة في آن واحد.

ووفق تقرير حديث لمجلس الأطلسي، فإن تركيا تتقدم بخطوات متسارعة داخل منطقة الساحل من خلال نشر طائرات مسيّرة متطورة، وتوسيع الاستثمارات، وبناء بنى تحتية حيوية، ما يجعلها فاعلًا قادرًا على منافسة القوى التقليدية التي فقدت الكثير من تأثيرها.

ويشير التقرير إلى انتشار الطائرات التركية من طراز “بيرقدار تي بي 2” و”أكينجي” في قواعد استراتيجية مثل نيامي في النيجر وباماكو في مالي، وهو ما أثار نقاشًا واسعًا حول تأثير هذا التوسع على موازين القوى الإقليمية، لا سيما في ظل حساسية الملف الأمني في المنطقة.

هذا الحضور لم يكن وليد اللحظة، بل ثمرة عقيدة “العمق الاستراتيجي” التي تبنتها أنقرة منذ بداية الألفية، والتي تستند إلى توسيع نطاق تأثيرها من خلال أدوات اقتصادية ودبلوماسية وثقافية قبل التقدم إلى أدوار أمنية وعسكرية.

فبعد سنوات من العمل بالقوة الناعمة عبر المشاريع التنموية والتبادل التجاري والمبادلات الثقافية، انتقلت تركيا إلى مرحلة جديدة تقوم على دمج القدرات الدفاعية بالتعاون الاقتصادي والاستثمار في البنى التحتية.

وقد شكّلت الطائرات المسيّرة إحدى أهم أدوات هذا الاختراق التركي؛ إذ مكّنت دول الساحل من مراقبة حدودها الشاسعة وتنفيذ عمليات دقيقة بتكلفة منخفضة ودون الحاجة إلى قوات أجنبية ضخمة.

هذا النوع من الدعم منح أنقرة موقعًا متميزًا باعتبارها مزودًا بارزًا للتقنيات العسكرية الحديثة في بيئة تعاني من هشاشة أمنية وضعف في القدرات التقليدية.

وبالتوازي مع الحضور الجوي، لجأت تركيا إلى تعزيز وجودها الميداني عبر إرسال فرق مختصة تابعة لشركات أمنية تركية مكلفة بحماية المناجم والبنى التحتية الحيوية التي تشرف عليها الاستثمارات التركية.

هذه المقاربة زادت من ثقة الأنظمة الجديدة في الساحل بأن أنقرة ليست مجرد شريك اقتصادي، بل قوة قادرة على توفير حماية مباشرة لمشاريعها ولمصالح حلفائها المحليين.

أما اقتصاديًا، فقد استثمرت أنقرة بقوة في قطاعات الطاقة والبنية التحتية والمعادن، مستفيدة من انسحاب شركات غربية ورفضها الدخول في مشاريع بشروط لا تخدم مصالحها التجارية.

فقد أقامت تركيا محطات كهرباء، ووسّعت التبادل التجاري، ووقّعت اتفاقيات مهمة لتطوير قطاع النفط والغاز في النيجر، ما جعل دورها الاقتصادي جزءًا لا يتجزأ من إستراتيجيتها الأمنية في المنطقة.

واهتمام تركيا بالموارد الإستراتيجية لم يكن بعيدًا عن حساباتها الصناعية؛ إذ ركزت على اليورانيوم في النيجر، والليثيوم في مالي، والذهب في بوركينا فاسو، وهي معادن أساسية لتطوير الصناعات الدفاعية والتكنولوجية التركية.

وبهذا، نجحت أنقرة في ربط وجودها الخارجي بنمو قدراتها الصناعية، ما يجعل نفوذها في الساحل جزءًا من مشروع أوسع لبناء قوة إقليمية ذات وزن عالمي.

دبلوماسيًا، وسعت تركيا شبكة علاقاتها عبر فتح سفارات جديدة وإنشاء قنوات للتعاون العسكري والاقتصادي، فضلًا عن تعزيز قدراتها الاستخباراتية من خلال مراكز محلية توفر معلومات دقيقة تساعدها على ضبط عملياتها وتوجيه استثماراتها.

وتستند هذه المقاربة إلى مبدأ الشراكات متعددة الأبعاد التي تجمع بين العقود الدفاعية والمشاريع الاقتصادية والتعاون التكنولوجي، دون التقيد بالاصطفافات التقليدية أو الدخول في تبعية لأي قوة كبرى.

إن هذا المزيج التركي من القوة العسكرية، والحضور الاقتصادي، والدبلوماسية البراغماتية، يجعل أنقرة شريكًا موثوقًا للحكومات العسكرية الجديدة في الساحل، ومنافسًا فعّالًا لروسيا التي تركز بشكل أكبر على الوجود الأمني المباشر، كما يمنحها القدرة على التنسيق مع الغرب إذا تطلبت مصالحها ذلك.

وبهذا، تتحول تركيا في صمت ولكن بثبات إلى أحد أهم صناع التحولات في منطقة الساحل، مستفيدة من تفكك المنظومة القديمة لتأسيس نفوذ جديد يتجاوز الدور التقليدي للدول الإقليمية، ويكرس حضورها كلاعب استراتيجي في واحدة من أكثر المناطق حساسية في القارة الأفريقية.

لا توجد تعليقات:

للأسف، لا توجد تعليقات متاحة على هذا الخبر حاليًا.

أضف تعليقك