القبضة الخفية وهيمنة الأجهزة الاستخباراتية على مفاصل الصحافة والسياسة والاقتصاد بالمغرب

القبضة الخفية وهيمنة الأجهزة الاستخباراتية على مفاصل الصحافة والسياسة والاقتصاد بالمغرب
شؤون أمنية وعسكرية / السبت 22 نونبر 2025 / لا توجد تعليقات:

أنتلجنسيا المغرب:ياسر اروين

داخل البناء الرسمي للدولة المغربية، تنشط منظومة موازية أكثر نفوذاً وتأثيراً، تتشكل من أجهزة أمنية واستخباراتية تشرف، بشكل مباشر أو غير مباشر، على تدبير عدد كبير من المفاصل الحيوية في البلاد.

فمن الإعلام إلى السياسة، ومن الاقتصاد إلى المجتمع المدني، بات حضور هذه الأجهزة واقعاً ملموساً يُدير أي هامش محتمل للتحرك خارج الخطوط المرسومة مركزياً.

صحافة تحت الرقابة وإعلام بلا صوت مستقل

تبدو الساحة الإعلامية المغربية اليوم مجالاً مراقباً بإحكام، حيث تتحرك صحف ومواقع إلكترونية داخل حدود مرسومة بشكل غير معلن.

تعتمد الأجهزة الأمنية على شبكة معقدة من الآليات الناعمة والخشنة لضبط المجال:

تمويل غير مباشر عبر الإشهارات العمومية التي تُمنح وتُسحب بناء على درجة الانضباط.

إدارة الخط التحريري عبر وسطاء ومسؤولين يتحكمون في سقف النقد وحدود الاشتغال.

متابعة تحركات الصحافيين والتدخل في التعيينات داخل المؤسسات الإعلامية الكبرى.

وبينما تختفي التحقيقات الجريئة المستقلة ويُكمّم صوت الصحافة الاستقصائية، تظل المعلومات الاستراتيجية حكراً على قنوات رسمية أو شبه رسمية، تُسوق روايات جاهزة تغذيها الأجهزة نفسها.

حياة سياسية مُعلّبة مسبقاً

الأحزاب السياسية، المفترض أن تكون الفضاء الطبيعي لخلق البديل وتكوين النخب، أصبحت بدورها محكومة بنظام مراقبة مستمر.

فالأجهزة الأمنية لا تكتفي برصد الأنشطة؛ بل تسهر على هندسة المشهد الحزبي وتوجيهه في الاتجاه المرغوب، من خلال:

دفع قيادات محددة إلى الواجهة عبر الدعم غير المرئي.

إعادة ترتيب موازين القوى داخل الأحزاب عند ظهور توترات داخلية.

ضبط الحملات الانتخابية بما يضمن نتائج منسجمة مع استقرار النسق السياسي.

بهذه الطريقة، تتحول العملية السياسية إلى مسرح بديكور ديمقراطي، بينما تُدار الكواليس من مراكز القرار الأمنية التي تتحكم في الإيقاع وتحدد حدود التغيير المسموح به.

اقتصاد مُدار من فوق و“استقرار” يخدم لوبيات محددة

لم يعد تدبير الاقتصاد المغربي شأناً حكومياً صرفاً؛ فقد أصبحت الأجهزة ذات دور محوري في مراقبة الاستثمار والتجارة والقطاعات الاستراتيجية.

هذا التدخل، رغم تبريره بخطاب “الحماية من المضاربات وحفظ الاستقرار”، يعزز نفوذ شبكات محددة، ويُقصي فاعلين اقتصاديين مستقلين.

وتظهر آثار هذا التحكم في:

منح الصفقات العمومية التي تمر في قنوات غير شفافة.

تحديد هوية الفاعلين المسموح لهم بدخول قطاعات حساسة كالاتصالات، الطاقات المتجددة، الخدمات الأمنية الخاصة، أو القطاع البنكي.

تيسير توسع مجموعات اقتصادية مرتبطة بمراكز النفوذ.

هذا الوضع يجعل الاقتصاد خاضعاً لمنطق “التوجيه العمودي”، حيث يُكافأ الولاء أكثر مما تُكافأ الكفاءة، وتُعرقل المنافسة الحقيقية داخل السوق.

مجتمع مدني تحت الترويض واستقلالية في الأوراق فقط

حتى الفضاء المدني لم يَفلت من هندسة الأجهزة، إذ تتعرض الجمعيات المستقلة للمضايقة أو التضييق الإداري، بينما تُفتح الأبواب أمام تنظيمات محسوبة على السلطة أو قابلة للانضباط للمنظومة.

في الوقت نفسه، يتم احتواء المبادرات ذات الطابع الحقوقي أو السياسي عبر:

مراقبة التمويل الخارجي.

تطويق الأنشطة الميدانية.

تشجيع جمعيات بديلة تخدم توجهاً رسمياً محدداً.

والنتيجة: مجتمع مدني مُفرغ من دوره الأساسي في المراقبة والتأثير، ومحوَل إلى واجهة تزيينية تُستحضر عند الحاجة لإبراز صورة الانفتاح.

واقع مغرب اليوم بين سلطة الدولة وسلطة الأجهزة

لقد أصبحت الأجهزة الأمنية والاستخباراتية في المغرب لاعباً مركزياً لا يقتصر دورها على حماية الأمن القومي، بل يمتد إلى صياغة المشهد الإعلامي والسياسي والاقتصادي والاجتماعي وفق رؤية مركزية ضيقة.

وفي ظل غياب مؤسسات رقابية مستقلة، واستمرار تراجع الحريات، وتآكل استقلالية الصحافة، باتت الحياة العامة رهينة منظومة تتحرك في الظل وتتحكم في مصائر المؤسسات دون مساءلة فعلية.

بهذه الهيمنة الواسعة، يظل مستقبل الانفتاح السياسي والاقتصادي في المغرب مرتبطاً بقدرة المجتمع على كسر منطق الدولة الموازية، واستعادة فضاءات حرّة تسمح بتنافس حقيقي، وبإعلام مستقل، وبحياة سياسية لا تُدار من خلف الستار.

لا توجد تعليقات:

للأسف، لا توجد تعليقات متاحة على هذا الخبر حاليًا.

أضف تعليقك