تدمير القدوة وتعميم الفساد لتحويل المواطنين إلى جمهور صامت..كيف صُنِعَ مجتمع اللامبالاة في المغرب؟

تدمير القدوة وتعميم الفساد لتحويل المواطنين إلى جمهور صامت..كيف صُنِعَ مجتمع اللامبالاة في المغرب؟
تقارير / الجمعة 21 نونبر 2025 / لا توجد تعليقات: تهنئة بمناسبة ذكرى المسيرة الخضراء المظفرة

أنتلجنسيا المغرب:إدارة النشر

لم يكن تفكك الحسّ الجماعي أو ضمور الوعي السياسي ظاهرة عفوية في المغرب، بل نتيجة مسار طويل عملت فيه الدولة العميقة على تحطيم كل الرموز التي كانت تمنح المجتمع القدرة على المقاومة والبناء: رجل التعليم، المناضل، الحقوقي، والنقابي.

فبدل دعم هذه الفئات التي تُشكّل في أي بلد رافعة للوعي، جرى تفتيتها وتحويلها إلى مجموعات مُستنزفة، مهمّشة، وفاقدة لسلطة التأثير.

فحين يُهان المعلّم، يُسخَّف السياسي الشريف، ويُلاحَق الحقوقي، وينكسر النقابي، ينهار معهم آخر ما تبقى من صمّامات الأمان داخل المجتمع. وهذا ما حدث بدقة.

تكسير المدرسة وتكسير الإنسان

المدرسة المغربية كانت تاريخياً مصنعاً للوعي، لكنها تحوّلت تدريجياً إلى فضاء للتهميش، نتيجة سياسات ممنهجة دمّرت مكانة المعلّم، وخفّضت مستوى التعليم، وحوّلت المؤسسة التربوية إلى عبء بدل أن تكون محرّك صعود اجتماعي.

فضرب التعليم لم يكن خطأً تقنياً، بل قراراً سياسياً:مجتمع واعٍ يعني مجتمعاً يطالب بحقوقه، وهذا ما لم يكن مرغوباً فيه.

والنتاج اليوم واضح: أجيال لا تثق في المؤسسات، ولا ترى في التعليم طريقاً للترقي، ما يجعلها أكثر قابلية للانسياق وراء اللامبالاة أو الانفجار.

إسكات المناضل وتشويه صورة الفاعل السياسي

خلال العقود الماضية، عملت الدولة العميقة على أمرين متوازيين:

قمع الأصوات السياسية والحقوقية التي كانت تشكل الضمير الحي للمجتمع.

تلميع وجوه انتهازية فارغة لإفراغ السياسة من معناها.

وبهذا الأسلوب، تحوّلت السياسة إلى فرجة رديئة، وفقد المغاربة الثقة في أي فاعل يمكن أن يغير واقعهم.

وعندما يختفي المناضل الحقيقي، ويتصدر المشهد من يخدم مصالح الشبكات النافذة، يصبح المواطن متفرجاً بلا أمل.

تصنيع الفساد كآلية للضبط الاجتماعي

الفساد لم يتفشّ في المغرب صدفة، بل جرى السماح له بالانتشار لأنه يخلق مجتمعاً ضعيفاً، مكسوراً، وغير قادر على المطالبة بالتغيير.

حين يصبح الارتشاء "عاديّاً"، والمحسوبية "طبيعية"، والظلم "مألوفاً"، يفقد الناس الحسّ الأخلاقي ويميلون إلى النجاة الفردية بدل الفعل الجماعي.

وكلما انتشر الفساد، كلما ازداد تحكم الدولة العميقة. وكلما تلاشت القدوة، كلما أصبح المجتمع متلقّياً بدل أن يكون فاعلاً.

تعميم اللامبالاة وصناعة "المواطن المتفرّج"

اليوم، يعيش المغرب وضعاً غير مسبوق حيث:

مجتمع يراقب بدون أن يتحرك.

شباب لا يرى مستقبلاً داخله.

أسر منهكة بهمّ العيش اليومي.

ووعي جماعي مُخدَّر يتابع الواقع كما يتابع مباراة كرة القدم.

هذا التحول ليس قدراً. إنه نتيجة عقود من العمل المنتظم على إضعاف المؤسسات التي كانت تصنع مواطنين مسؤولين كـ:المدرسة، الحزب، النقابة، والجمعيات الحقوقية.

ثمن هذه السياسة يُدفع يومياً

المواطن الذي فقد القدوة لن يصنع التغيير، والمجتمع الذي فقد الثقة لن ينتج ديمقراطية، والدولة التي تُسكت الأصوات المستقلة ستعيش دائماً على صدمات: انفجارات اجتماعية، وهجرة جماعية، وغياب مشروع وطني جامع.

اليوم، أصبحت اللامبالاة أكبر تهديد للوطن: لأنها تقتل الحلم ببطء، وتُبقي الفساد متجذّراً، وتجعل الأغلبية فاقدة للإحساس بالملكية المشتركة لهذا البلد.

عموما، المغرب لا يعاني من أزمة اقتصادية فقط، بل من أزمة أخلاقية وثقافية ناتجة عن تدمير ممنهج لكل من كان قادراً على قيادة المجتمع نحو الوعي: المعلّم، المناضل، الحقوقي، والمثقف.

ومادام هذا المشروع مستمراً، سيبقى المجتمع المغربي مجتمعاً مُتعَباً، مُستنزفاً، ومُحيَّداً…مجتمعاً يشاهد ما يقع حوله دون أن يشعر أنه معنيّ به.

لا توجد تعليقات:

للأسف، لا توجد تعليقات متاحة على هذا الخبر حاليًا.

أضف تعليقك