أنتلجنسيا المغرب:أبو جاسر
لم يعد العزوف السياسي في المغرب مجرد ظاهرة عابرة، بل تحوّل إلى موقف جماعي راسخ، خاصة لدى فئة الشباب التي باتت ترى في السياسة مجالاً مغلقاً بلا معنى.
فنسب المشاركة المتدنية، وانعدام الاهتمام بالنقاش العمومي، وانتشار خطاب السخرية من الانتخابات والأحزاب، كلها مؤشرات على قطيعة عميقة بين المجتمع والحقل السياسي.
المخزن:سلطة بلا مساءلة
في قلب هذه الأزمة تقف بنية الحكم نفسها، فالمخزن، بوصفه مركز القرار الفعلي، راكم عبر عقود نموذجاً سياسياً يقوم على التحكم لا على الثقة، وعلى التدبير الأمني لا على التعاقد السياسي.
والسلطة تُمارَس من فوق، والقرارات الكبرى تُحسم خارج المؤسسات المنتخبة، ما جعل السياسة في نظر المغاربة واجهة شكلية، بلا قدرة حقيقية على التغيير.
أحزاب بلا روح ولا مشروع
الأحزاب السياسية لم تكن ضحية هذا الواقع، بل شريكاً أساسياً في إنتاجه.، حيث تحولت من وسائط تأطير وتمثيل إلى أدوات انتخابية موسمية، بلا برامج مقنعة ولا جرأة سياسية.
إضافة إلى الصراعات الداخلية، والانتهازية، وتدوير نفس الوجوه، عمّقت صورة حزب بلا مصداقية، عاجز عن الدفاع حتى عن وعوده.
انتخابات شكلية ومخرجات محسومة
الاستحقاقات الانتخابية، التي يُفترض أن تكون لحظة سيادة شعبية، باتت في وعي الشباب مجرد طقس إداري لإعادة ترتيب المشهد نفسه.
فحين تكون نتائج اللعبة معروفة سلفاً، وحين تُفرغ المؤسسات من سلطتها، يصبح التصويت فعلاً بلا قيمة، والمشاركة مجرد تزكية لواقع مغلق.
الشباب خارج المعادلة
الشباب المغربي، المحاصر بالبطالة والهشاشة وغياب الأفق، لم يجد في السياسة جواباً عن أسئلته اليومية.
إن الخطاب الحزبي المتجاوز، واللغة الخشبية، والوعود الفارغة، دفعت هذه الفئة إلى البحث عن بدائل خارج السياسة: الهجرة، الاقتصاد غير المهيكل، أو الانسحاب التام من الشأن العام.
أزمة ثقة لا أزمة اهتمام
ما يعيشه المغرب ليس عزوفاً عن الشأن العام، بل انعدام ثقة في منظومة سياسية فقدت معناها.
فالشباب مهتم، لكنه لا يرى نفسه ممثَّلاً، ولا يشعر بأن صوته مؤثر، حيث السياسة، كما تُمارَس اليوم، لم تعد أداة تغيير، بل واجهة لتدبير الخضوع.
من المسؤول؟
المسؤولية مشتركة وواضحة، فمن جهة مخزن يحتكر القرار، ومن جهة أخرى أحزاب قبلت بدور الكومبارس.
والنتيجة مشهد سياسي بلا روح، وشباب فقد إيمانه بالعمل السياسي برمته.
فإذا ما لم يُعد بناء الثقة على أساس ديمقراطي حقيقي، ستظل السياسة في المغرب مجالاً مهجوراً، وستظل الأغلبية تراقب من الخارج، بلا أمل ولا انتظار.
لا توجد تعليقات:
للأسف، لا توجد تعليقات متاحة على هذا الخبر حاليًا.
أضف تعليقك