تحيين “الحكم الذاتي” بيد القصر…خطوة شكلية تُكرّس احتكار القرار وتُهدد تماسك المغرب

تحيين “الحكم الذاتي” بيد القصر…خطوة شكلية تُكرّس احتكار القرار وتُهدد تماسك المغرب
سياسة / الأحد 23 نونبر 2025 / لا توجد تعليقات:

أنتجنسيا المغرب:ياسر اروين

تسلّم الديوان الملكي في الأيام الأخيرة مقترحات عدد من الأحزاب السياسية حول “تحيين مبادرة الحكم الذاتي بالصحراء”، في خطوة يُقدَّم لها على أنها مشاورات وطنية واسعة.

غير أن هذا المشهد لا يخفي حقيقة راسخة، فملف الصحراء ظل ولا يزال شأناً محتكراً من طرف القصر، لا يُسمح لأي فاعل سياسي أو مدني أو إعلامي بالاقتراب من تفاصيله أو التعبير عن رؤية مختلفة بشأنه.

المبادرة الحزبية هنا تتحول إلى مجرد واجهة شكلية، تُستعمل لإضفاء انطباع مؤسساتي على قرار يظل مركزياً ومحفوظاً داخل الدائرة الضيقة للسلطة.

ملف يُدار من الأعلى والأحزاب تُستدعى للتزكية فقط

منذ عقود، لم يكن للاحزاب أي دور فعلي في صياغة مقاربة الدولة لملف الصحراء، بل اقتصر حضورها على إصدار البيانات المؤيدة وترديد الخطاب الرسمي بلا اجتهاد ولا خيارات بديلة.

اليوم، ومع إعلان الديوان الملكي فتح باب “مقترحات التحيين”، يدرك الجميع أن المطلوب ليس إنتاج رؤية وطنية شاملة، بل توفير غطاء سياسي يعزز صورة الدولة في الخارج، خصوصاً مع التحركات الدبلوماسية المكثّفة.

والنتيجة:، أحزاب تستلم الدعوة، تكتب ما هو متوقع منها، ثم تقدم “رأيها” للمؤسسة الملكية مع إدراك مسبق بأن حدود الفعل ترسمها الأجهزة، وأن القرار النهائي محسوم داخل دائرة صغيرة لا تتغير.

الحكم الذاتتي..مشروع رسمي يهدد التماسك الوطني إذا استمر بمنطقه الحالي

بعيداً عن الخطاب الرسمي الذي يقدّم مشروع الحكم الذاتي باعتباره حلاً نهائياً للنزاع، هناك نقاش واسع في الشارع المغربي حول تأثيره الحقيقي على وحدة البلاد.

فبينما يُقدّم النموذج للأمم المتحدة باعتباره خطوة جريئة نحو حل سياسي، يرى معارضون أن منح صلاحيات واسعة في جهة معينة داخل منظومة سياسية غير ديمقراطية قد يفتح الباب أمام مطالب مماثلة في مناطق أخرى تشعر بالتهميش.

ففي شمال المغرب مثلا، وتحديداً في الريف، تتزايد الأصوات التي تستحضر “النموذج الصحراوي” للمطالبة بترتيبات خاصة، في ظل غياب مصالحة حقيقية مع المنطقة، واستمرار الاعتقالات والأحكام الثقيلة ضد نشطاء الحراك.

هذا التوتر الجهوي ليس نتاجاً لفكرة الحكم الذاتي في حد ذاتها، بل لغياب دولة ديمقراطية عادلة تحمي الحقوق وتوزع الثروة بإنصاف وتسمح بتدبير جهوي فعلي.

احتكار القرار يمنع أي نقاش وطني حر

فوق مستوى الحسابات السياسية، يبرز سؤال أعمق حول غياب نقاش وطني مفتوح حول مستقبل الصحراء. فكل رأي خارج الخط الرسمي يتم تجريمه، وكل بحث أكاديمي مستقل يُضايق، وكل صحافي يقترب من تفاصيل الملف يجد نفسه أمام “خطوط حمراء”.

بهذه الطريقة، يتحول موضوع بحجم الصحراء–الذي يُفترض أن يكون ملكاً للجميع–إلى ملف سيادي مغلق، لا يطّلع عليه الجمهور، ولا يناقَش في البرلمان، ولا يسمح للمجتمع المدني بالمساهمة فيه.

هذا الاحتكار يمنع تطور رؤية وطنية حقيقية ويقوّي منطق “الدولة الموازية” التي تشتغل خارج مؤسسات المراقبة والمحاسبة.

الدولة الديمقراطية وحدها قادرة على حماية الوحدة

الوحدة الوطنية لا تُبنى بقرارات فوقية ولا بشعارات جامدة، بل بدولة ديمقراطية تحترم الحريات، وتسمح بالصحافة المستقلة، وتقبل النقد، وتضع الملف تحت مراقبة المؤسسات المنتخبة. النموذج الذي يربط الاستقرار بالقوة الأمنية فقط يخلق هشاشة داخلية، ويحوّل ملفات استراتيجية مثل الصحراء إلى مناطق محظورة لا يستطيع المواطن الاقتراب منها. الإصلاح الحقيقي يمر عبر:

دمقرطة القرار السياسي.

إطلاق سراح النشطاء والصحافيين المعتقلين بسبب آرائهم.

إشراك المجتمع في مناقشة مصير البلاد عبر مؤسسات ذات مصداقية.

إنهاء ثقافة “الملفات المقدسة” التي تمنع تطوراً طبيعياً للمشاركة السياسية.

دون ذلك، سيظل الحكم الذاتي خياراً فوقياً بلا شرعية داخلية متينة، وستظل المطالب الانفصالية–أينما كانت–تستغل هشاشة البنيان السياسي لتبرير حججها.

 تحيين شكلي فوق أرضية سياسية متصدّعة

تسلم الديوان الملكي لمقترحات الأحزاب بخصوص الحكم الذاتي خطوة لا تغير شيئاً من الواقع البنيوي: القرار محفوظ في القصر، والإجماع المفترض هشّ، والملف يتطلب جرأة سياسية تتجاوز حدود الشكل والمراسلات.

المغرب اليوم في حاجة إلى انتقال ديمقراطي حقيقي يعيد للمؤسسات هيبتها، وللصحافة استقلاليتها، وللمواطنين حقهم في النقاش العمومي الحر. بدون ذلك، سيظل تحيين الحكم الذاتي مجرد عملية تجميل لواقع سياسي واحد: الدولة تحتكر القرار، والبقية تصفق.

لا توجد تعليقات:

للأسف، لا توجد تعليقات متاحة على هذا الخبر حاليًا.

أضف تعليقك