أنتلجنسيا المغرب:أحمد الهيلالي
قال إدريس الأزمي الإدريسي، النائب الأول للأمين العام لحزب العدالة والتنمية المحسوب على المعارضة البرلمانية، إن ما نعيشه اليوم ليس مجرد أزمة حكومة أو تدبير مرحلي، وإنما أزمة بنيوية عميقة في العلاقة بين الدولة والمجتمع، وفي التوازنات السياسية والاقتصادية التي تُسيّر بها البلاد.
وفي كلمة له، خلال اللقاء التواصلي الذي نظمته الكتابة الجهوية للبيجيدي بجهة كلميم وادنون بمدينة كلميم، تحت عنوان: “المشهد السياسي ببلادنا في ظل المستجدات الراهنة“، استعرض المتحدث عدداً من المعطيات التي تعكس التحديات المتراكمة التي تواجهها البلاد.
وأوضح الأزمي أن من مظاهر هذه الأزمة، غياب الثقة في المؤسسات المنتخبة، وتراجع المشاركة السياسية، وانسحاب فئات واسعة من المواطنين من الفضاء العام، إما بدافع الإحباط أو بسبب الشعور بأن صوتهم لم يعد له تأثير في السياسات العمومية.
وشدد نائب الأمين العام أن هذا العزوف هو نتيجة مباشرة لممارسات تميّزت بإقصاء الفاعل السياسي الجاد، وتضييق مساحات التعبير، وتبخيس العمل الحزبي، مما أفرز مشهداً سياسياً باهتاً لا يعبّر عن تعددية حقيقية ولا عن حيوية ديمقراطية.
وفي تحليله للوضع الاقتصادي، أبدى الأزمي قلقه من اتساع الهوة بين الطبقات، وتفاقم معاناة المواطنين مع غلاء الأسعار، وتراجع القدرة الشرائية، في ظل سياسات حكومية عاجزة عن تقديم حلول واقعية ومستجيبة لانتظارات الفئات المتضررة، لاسيما للشباب وللطبقة المتوسطة.
وقال إن مؤشرات الفقر والتفاوت المجالي والاجتماعي آخذة في التصاعد، مما يهدد الاستقرار الاجتماعي ويفتح الباب أمام أشكال متعددة من التوتر والاحتقان.
كما خصص الأزمي حيزاً مهماً من مداخلته لتسليط الضوء على أعطاب الفعل الحزبي في المغرب، معتبراً أن بعض الجهات تسعى إلى صناعة مشهد سياسي موجه ومتحكم فيه، عبر الترويج لفكرة نهاية الأحزاب أو عدم جدواها، وهو ما يشكل تهديداً حقيقياً للديمقراطية ولدور الوساطة السياسية التي تشكل صمام أمان في كل نظام سياسي.
ودعا في المقابل إلى إعادة الاعتبار للعمل الحزبي النزيه، وتشجيع المشاركة السياسية، وفسح المجال أمام النخب الجادة للقيام بأدوارها في التأطير والترافع والمساءلة.
وفي حديثه عن تجربة حزب العدالة والتنمية، أكد الأزمي أن الحزب، رغم كل ما تعرض له من استهداف وتضييق وتبخيس، ما يزال وفياً لاختياره الإصلاحي الديمقراطي، ويواصل عمله التأطيري والتنظيمي، في أفق تجديد هياكله وتعزيز موقعه كقوة اقتراحية وازنة في المشهد السياسي.
وأشار إلى أن زيارة كلميم تندرج في إطار الدينامية التنظيمية الجهوية التي تعرفها مختلف الجهات استعداداً للاستحقاقات التنظيمية المقبلة، معتبراً أن اللقاءات التواصلية من هذا النوع تتيح المجال للاستماع إلى نبض المواطنين والانفتاح على قضاياهم الحقيقية.
اللقاء، الذي دام أزيد من ساعتين، لم يخلُ من تفاعل حيّ مع الحاضرين، الذين بادروا إلى طرح أسئلتهم وملاحظاتهم حول قضايا متعددة، من قبيل التنمية المحلية، وتردي الخدمات، وتراجع دور الجماعات الترابية، وسبل النهوض بالشأن العام من داخل المؤسسات، حيث أجاب الأزمي على معظم المداخلات بصراحة ووضوح، دون أن يتردد في نقد بعض الاختلالات التي تطال المنظومة المؤسساتية، سواء على المستوى المحلي أو الوطني.
وفي ختام اللقاء، دعا الأزمي إلى تعزيز ثقافة النقاش السياسي المسؤول، والانخراط الواعي في الشأن العام، بعيداً عن منطق التيئيس والتبخيس، مؤكداً أن المغرب في حاجة إلى تجديد تعاقده السياسي على قاعدة الكرامة والعدالة والحرية، وأن ذلك لا يمكن أن يتحقق إلا بإرادة سياسية حقيقية، وبانخراط مجتمعي واسع يعيد المعنى للفعل السياسي ويُخرج الديمقراطية من حالة الجمود.
لا توجد تعليقات:
للأسف، لا توجد تعليقات متاحة على هذا الخبر حاليًا.
أضف تعليقك