أنتلجنسيا المغرب:للا الياقوت
في خرجة جديدة تحمل جرعة عالية من الصراحة السياسية والجرأة القانونية، أثار المصطفى الرميد، وزير العدل والحريات الأسبق والقيادي البارز/السابق في حزب العدالة والتنمية، نقاشاً متجدداً حول العلاقة المعقدة والمتوترة أحياناً بين السياسي والصحافي، واضعاً إياها في سياق دستوري وقانوني وأخلاقي دقيق، يربط المسؤولية بالمحاسبة، سواء تعلّق الأمر بالمُنتخب أو بمن ينقل أخباره إلى الرأي العام.
وفي تدوينة عميقة ومثيرة للتفكير، قال الرميد إن السياسي ليس عدواً للصحفي، ولا الصحفي عدواً للسياسي، ولكن الحقيقة أن كليهما يضيق ذرعاً بالآخر حين يُسلّط عليه الضوء النقدي أو القضائي. فالمسؤول السياسي ـ كما أوضح ـ يميل غالباً إلى الانزعاج من المتابعة الإعلامية الاستقصائية التي تفضح سوء تدبيره أو تكشف ضعف قراراته، فيما الصحفي لا يحبذ اللجوء إلى القضاء من قبل مسؤول يرى أنه تعرّض للتشهير أو الكذب.
لكن الأهم في ما جاء به الرميد، هو تحميله الواضح للطرفين معاً ـ السياسي والصحفي ـ مسؤولية متساوية أمام الرأي العام والقضاء. فكما أن السياسي مسؤول عن قراراته وخياراته العمومية، فالصحفي كذلك مسؤول عن دقة أخباره وتعليقاته، وهو ما يستوجب ـ حسب رأيه ـ تحلي الجميع بالوضوح والشجاعة لمواجهة المساءلة، سواء أمام الشعب أو أمام المحكمة.
الرسالة الأقوى التي وجّهها الرميد، والتي أثارت ردود فعل قوية في الأوساط السياسية والإعلامية، هي دعوته الصريحة إلى اعتبار صمت السياسي الذي تُتهم نزاهته في الصحافة دون أن يلجأ إلى القضاء، بمثابة تسليم ضمني بصحة التهم المنسوبة إليه. فالرجل يرى أن المسؤول العمومي الذي تُوجه له اتهامات بالفساد أو بغياب الاستقامة الأخلاقية، ويختار التزام الصمت أو التجاهل دون مقاضاة أو توضيح، لا يليق به أن يستمر في موقع المسؤولية. بل ذهب إلى حد القول إن عليه أن يستقيل أو يُقال، لأن التغاضي في هذه الحالة لا يعني إلا الإقرار الضمني بالتهم، مما يضعف الثقة في المؤسسات ويشوّش على الحياة الديمقراطية.
وفي المقابل، شدد الرميد على أن اللجوء إلى القضاء ضد الصحفيين أو المدونين لا ينبغي أن يُفهم على أنه تضييق على حرية التعبير، بل هو تعبير عن احترام القانون ورفض التسيب الإعلامي، شريطة أن لا يكون الهدف من المتابعة هو "الانتقام أو التنكيل"، بل فقط كشف الحقيقة وإحقاق الحق.
الرميد لم يكتف بالحديث في العموم، بل دخل في تفاصيل قانونية دقيقة حين أشار إلى مدونة الصحافة والنشر باعتبارها الإطار الأنسب لمتابعة الصحفيين والمدونين في حال وجود ما يُعتبر قذفا أو نشراً لوقائع غير صحيحة. وخص بالذكر المادة 72 من المدونة، التي تُجرّم نشر أو نقل الأخبار الكاذبة بسوء نية عبر مختلف الوسائط، داعياً إلى احترام هذا الإطار القانوني باعتباره "النص الأصلح للمتهم" والذي ينبغي أن يُقدّم على أي قانون جنائي عام في مثل هذه الحالات.
الرسالة الجوهرية التي يمكن استخلاصها من تدوينة الرميد، هي أن التطور الديمقراطي في المغرب، بما يشمله من نضج سياسي ومهني، لا يمكن أن يكتمل إلا إذا أدرك السياسي أن الإعلام الصادق هو شريك في الإصلاح لا عدو، وإذا فهم الصحفي أن حرية التعبير لا تعني الفوضى، بل تعني المسؤولية في البحث عن الحقيقة. وبين هذا وذاك، يبقى القضاء هو الفيصل، حين يتجاوز الطرفان حدود المساءلة المعنوية إلى المساءلة القانونية.
إنها دعوة صريحة إلى تخليق الحياة السياسية والإعلامية، لا بالشعارات، بل بالممارسة اليومية، حيث يَعرف كل طرف حدوده، ويقبل بالنقد حين يكون محقاً، ويحتكم إلى القانون حين يرى نفسه مظلوماً. وبذلك فقط، يُمكن أن تترسخ الشفافية، ويتقدّم الوعي، ويصبح الرأي العام أكثر ثقة في المؤسسات والفاعلين، سواء كانوا سياسيين أو إعلاميين.
لا توجد تعليقات:
للأسف، لا توجد تعليقات متاحة على هذا الخبر حاليًا.
أضف تعليقك