أنتلجنسيا المغرب:أحمد الهيلالي
مع اقتراب العد العكسي لانتخابات 2026، التي أطلق عليها إعلامياً وصف "انتخابات حكومة المونديال" نظراً لتزامنها مع استعداد المغرب لتنظيم كأس العالم 2030، يعيش المشهد السياسي المغربي واحدة من أكثر مراحله توتراً وغموضاً منذ بداية العهد الجديد.
فبين حكومة يتهمها الرأي العام بـ"الفشل المزدوج" في الاقتصاد والاجتماع، ومعارضة توصف بـ"الضعف المزمن"، تتصاعد الانتقادات من مختلف الشرائح الشعبية والهيئات النقابية والمجتمع المدني، في وقت يبحث فيه المغاربة عن أفق سياسي جديد يعيد الثقة في المؤسسات.
حكومة أخنوش: عناوين بارزة ونتائج غائبة
بعد صعودها سنة 2021 على وعود "الدولة الاجتماعية" و"إنعاش الاقتصاد"، تجد حكومة عزيز أخنوش نفسها في قلب العاصفة. فقد فشلت، حسب العديد من التقارير والتقييمات، في الوفاء بتعهداتها الانتخابية، خاصة في ملفات الصحة، والتعليم، والتشغيل، والحماية الاجتماعية. كما أن سياستها الاقتصادية أصبحت محط انتقادات لاذعة بسبب ارتفاع الأسعار، وتدهور القدرة الشرائية، واتساع رقعة الفقر والهشاشة.
تُتهم الحكومة اليوم بأنها أصبحت رهينة لمصالح كبرى لوبيات المال، وأنها تغيب عن التفاعل السريع مع أزمات المواطنين. وكان مشهد عيد الأضحى 2025 بدون أضحية بعد قرار ملكي نادر بحظر الذبح حفاظاً على القطيع، كاشفاً لفشل السياسات الفلاحية، وخاصة ما يتعلق بـ"مخطط المغرب الأخضر" الذي أشرف عليه رئيس الحكومة نفسه، والذي التهم قرابة 33 مليار دولار دون أن يحمي الأمن الغذائي للمغاربة.
أزمة الثقة بين المواطن والحكومة
مع كل يوم جديد، تتعمق فجوة الثقة بين الشارع والحكومة. فقد صار المواطن يشعر بأنه خارج المعادلة السياسية، في ظل غياب التواصل الفعّال، وتراجع الآليات التشاركية، وتنامي قرارات فوقية لا تراعي الوضع الاجتماعي الحساس.
استطلاعات غير رسمية وقراءات ميدانية تؤكد أن قطاعات واسعة من المواطنين لم تعد تثق في جدوى التصويت، ولا في قدرة أي حكومة على تغيير الأوضاع، ما ينبئ بإمكانية عزوف انتخابي كبير يهدد شرعية المؤسسات المنتخبة في الاستحقاقات المقبلة.
معارضة بلا مخالب ولا بدائل
إذا كانت الحكومة تتلقى وابلاً من الانتقادات، فإن المعارضة لا تنجو من السخط الشعبي أيضاً. فالمواطن المغربي لا يرى في أحزاب المعارضة الحالية (الاتحاد الاشتراكي، التقدم والاشتراكية، العدالة والتنمية، الخ…) بديلاً حقيقياً، إذ تُتهم بـالركود الخطابي، وغياب المبادرة السياسية، وتضارب المصالح أحياناً.
حتى حزب العدالة والتنمية، الذي يحاول العودة إلى المشهد بعد خسارته الكارثية في انتخابات 2021، لا يزال يعاني من صراعات داخلية وفقدان البوصلة السياسية، في ظل غياب شخصية جامعة يمكنها تعبئة الشارع من جديد.
قلق القصر وتدخّل المؤسسة الملكية في لحظات حاسمة
على ضوء هذا المشهد السياسي المرتبك، بدأت ملامح قلق في أعلى هرم الدولة تظهر بشكل غير مباشر. فقد باتت المؤسسة الملكية تتدخل في لحظات حاسمة لضبط الإيقاع السياسي، من خلال خطابات ملكية صارمة، وقرارات فوق حكومية كالتي صدرت بخصوص عيد الأضحى، أو المبادرات الملكية الخاصة بمشاريع الحماية الاجتماعية والبنية التحتية المرتبطة بمونديال 2030.
وتشير بعض القراءات إلى أن الملك محمد السادس لا يريد أن تتزامن الاستعدادات الكبرى لتنظيم كأس العالم مع حكومة تعاني من ضعف الشرعية الشعبية أو الفعالية التنفيذية، ما يجعل الانتخابات المقبلة ذات طابع سياسي حاسم يتجاوز مجرد التنافس الحزبي.
انتخابات 2026: سباق مفتوح وسط عدم اليقين
مع اقتراب موعد انتخابات 2026، لم تتضح بعد معالم التحالفات، ولا الشخصيات السياسية التي يمكن أن تقود المرحلة القادمة. فالوضع الحالي مفتوح على كل السيناريوهات: من إعادة تشكيل المشهد الحزبي، إلى بروز وجوه سياسية جديدة، وربما حتى العودة إلى حكومة تكنوقراطية في حال لم تفرز الصناديق أغلبية متماسكة.
السؤال الذي يطرحه الشارع اليوم: هل تكون انتخابات 2026 مجرد إعادة إنتاج لفشل سابق؟ أم ستكون لحظة تصحيح لمسار سياسي فقد الكثير من المصداقية؟
مونديال 2030: فرصة أم فخ سياسي؟
يراهن المغرب على كأس العالم 2030 كمشروع وطني جامع يمكن أن يشكل رافعة اقتصادية وسياحية وتنموية. لكن في ظل المشهد السياسي الراهن، يبدو هذا التحدي محفوفاً بالمخاطر، إذا لم يتم إصلاح الخلل المؤسساتي، واستعادة الثقة في الطبقة السياسية، وتحقيق مصالحة حقيقية بين المواطن وصناديق الاقتراع.
بين التغيير أو الانفجار الصامت
المشهد السياسي المغربي يعيش لحظة مفصلية. إما أن تتولد عنها نخب جديدة، وخطاب جديد، وجرأة إصلاحية تقطع مع الفساد والبيروقراطية، أو يستمر مسلسل "الانفجار الصامت" الذي تعكسه نسب العزوف، وانتشار خطاب اللامبالاة، وتراجع الإيمان بالسياسة كوسيلة للتغيير.
الكرة في ملعب الجميع: الحكومة، والمعارضة، والمجتمع المدني، والمواطن نفسه. فإما أن يكتب المغرب صفحة جديدة من تاريخه السياسي مع انتخابات 2026، أو يستمر في الدوران داخل دائرة الفشل نفسه.
لا توجد تعليقات:
للأسف، لا توجد تعليقات متاحة على هذا الخبر حاليًا.
أضف تعليقك