أنتلجنسيا المغرب:حمان ميقاتي/م.كندا
بهدوء سياسي ودعم برلماني واضح، شهدت
قبة مجلس المستشارين لحظة مفصلية يوم الثلاثاء، بعدما مرّ مشروع القانون الخاص
بالمسطرة المدنية دون أي اعتراض، ليجتاز عقبة التصويت بأغلبية الحاضرين، ما يفتح
الباب أمام مرحلة جديدة في تنظيم القضاء المدني بالمملكة.
في هذا السياق، أكد وزير العدل عبد
اللطيف وهبي أن هذا النص القانوني ليس مجرد تعديل تقني أو تحيين صوري، بل هو تعبير
صريح عن التحول الدستوري والمؤسساتي نحو عدالة أكثر فعالية وإنصافاً، مجسداً بذلك
روح دستور 2011، الذي منح للقضاء مكانة سلطة قائمة الذات، وكرّس مبدأ التقاضي كحق
دستوري مضمون لكل المواطنين.
المشروع، وفق الوزير، جاء ليُجاري
القوانين المقارنة والتوجهات الدولية الحديثة، ويُعانق توصيات النموذج التنموي
الجديد الذي شدد على ضرورة تقليص زمن التقاضي، وتحويل المحكمة من فضاء تقليدي إلى
هيئة رقمية قادرة على مسايرة العصر وضمان الولوج السلس إلى العدالة.
ويُعدّ هذا القانون لبنة أساسية في
مسار رقمنة المنظومة القضائية، إذ يُمكن اعتباره العمود الفقري للإجراءات المدنية،
ومُحرّكاً لمسار التحول الرقمي للعدالة، بما يعزز مبدأ الشفافية ويحسن جودة
الخدمات المقدمة للمتقاضين.
ومن أبرز التعديلات التي مست النص
القانوني، ما يتعلق بحذف بند "التغريم" الذي كان يُشكّل حاجزاً أمام
الكثير من المتقاضين، حيث أُلغيت مقتضياته تماشياً مع روح الإنصاف وحق الولوج
المفتوح إلى العدالة دون عوائق مالية.
كما تم إدراج تعديلات جوهرية على
مسألة الاختصاص النوعي، حيث أصبح لزاماً على المحكمة البتّ بشكل مستقل في الدفع
بعدم الاختصاص، مع فتح الباب لاستئناف هذا القرار داخل أجل محدد، مما يُحصّن حقوق
الأطراف في المسطرة ويُزيل الغموض الذي طالما أفرز تضارباً في الممارسات القضائية.
وعلى مستوى القيمية، أُعيد النظر في
حدود اختصاص المحاكم الابتدائية، لتضمن البت الابتدائي والانتهائي في القضايا التي
لا تتجاوز سقف عشرة آلاف درهم، مع الإبقاء على الاستئناف فيما يتجاوز هذا المبلغ،
حماية لحق الطعن وضماناً للمساواة أمام درجات التقاضي.
وفي ما يتعلق بدور القاضي، فتح النص
المجال أمامه للعب دور أكثر فاعلية دون المساس بمبدأ الحياد، حيث خوّله صلاحيات
جديدة لإدارة الدعوى، من خلال إلزام الأطراف بتصحيح الإجراءات، والإدلاء بالوثائق،
وتدارك النواقص الشكلية، وصولاً إلى إمكانية استدعائهم شخصياً للحضور، بغرض
استجلاء الحقيقة دون تأخير.
من جهة أخرى، حمل المشروع توجهاً
جديداً في مسار الطعن القضائي، حيث مكّن المتضرر من الأحكام القضائية من تقديم
الطعن بمقال رسمي في أي صندوق تابع لأي محكمة، على أن تتكلف كتابة الضبط بإحالة
الملف إلى الجهة المختصة، في خطوة تروم تقريب الإجراءات من المواطنين وتقليص العراقيل
البيروقراطية.
كما عزز القانون من مكانة الدفاع،
بإقراره لدور المحامي كمحور أساسي في تمثيل الأطراف، حتى في الحالات التي تعتمد
المسطرة الشفوية، مع التشديد على ضرورة حضوره، بما يعكس مكانته كفاعل أساسي في
تحقيق العدالة، تحت مظلة القانون وسيادة القضاء.
في تعقيباتهم، شدد المستشارون على أن
النص الجديد ليس مجرد تعديل شكلي، بل هو بمثابة تحول في العمق يمس صلب الممارسة
القضائية بالمغرب، معتبرين أنه يُعيد رسم علاقة المواطن بالقضاء في اتجاه أكثر
وضوحاً وثقة، بما يكرس دولة القانون والمؤسسات.
واعتبروا أن القانون يمثل قطيعة مع
بطء المساطر وتعقيدها، مقدّمين إشادة واسعة بإدماج الرقمنة كأداة لتحديث القضاء،
مع الإشارة إلى أن هذا التوجه يتطلب تعبئة مستمرة لإنشاء بوابات رقمية وتطوير
منصات تواصلية، خاصة مع هيئة المحامين وباقي الفاعلين القضائيين.
النص، بحسب تعبير عدد من المتدخلين، أتى ليُصلح أعطاباً تراكمت لعقود، ويُحصّن الحقوق والحريات بوسائل أكثر عصرية وفعالية، مما يجعله لحظة مفصلية في مسار تحديث العدالة بالمغرب، ومقدمة ضرورية للانتقال إلى منظومة قضائية تتفاعل مع متطلبات العصر، وتستجيب لتطلعات المواطنين في عدالة ناجعة، سريعة، ومنصفة.
لا توجد تعليقات:
للأسف، لا توجد تعليقات متاحة على هذا الخبر حاليًا.
أضف تعليقك