أنتلجنسيا المغرب:فهد الباهي/م.إيطاليا
طالما كان حزب "التقدم
والإشتراكية" على مر التاريخ، مناهضا للفاسد وصوت من أصوات الشعب في كل خطوة
تتعلق بالجبهة الأولى المجتمع المدني، "العجب أسيدي" في خطوة فاجأت
الرأي العام وأثارت موجة استغراب داخل الأوساط الحقوقية، قرر حزب "التقدم
والاشتراكية" سحب تعديلاته المقترحة على المادتين 3 و7 من مشروع قانون
المسطرة الجنائية، رغم الجدل الحاد الذي أثارتهما.
هذا التراجع طرح علامات استفهام حول
مدى التزام الحزب بخطابه المعلن ضد الفساد وحماية المال العام، خاصة وأن هذه
المواد تُتهم بإفراغ المجتمع المدني من دوره في مواجهة الجرائم المالية "على
مر السنين".
"رشيد حموني"، رئيس الفريق النيابي
للحزب، برر هذا التراجع بعدم جدوى التعديلات عقب نقاش داخلي بلجنة العدل والتشريع،
مبرزا أن المادة 12 من الدستور لا تمنح للمجتمع المدني سلطة رقابية، ومعتبرا أن
الهيئات الدستورية والمفتشيات الوزارية تؤدي هذا الدور بشكل كاف.
غير أن هذا التبرير لم يقنع متتبعي الشأن
السياسي، خاصة أن الجمعيات لا تطالب بمزاولة التحقيق، بل بالمشاركة في التبليغ
والمرافعة ضد الفساد.
الناشط الحقوقي محمد الغلوسي وجه
انتقادات لاذعة لهذا الموقف، متهما الحزب بالتخلي عن مواقفه المبدئية في لحظة
حرجة، معتبرا أن المادتين تفتحان الباب أمام "تحصين الفاسدين" ومنح
"الفراقشية" حماية تشريعية ضد أي رقابة شعبية أو قضائية مستقلة. ووصف
هذه المواد بأنها ضربة مباشرة لسلطة النيابة العامة ومقدمة خطيرة لإضعاف الدولة
أمام تمدد لوبيات الريع.
الجدل لم يتوقف عند حدود السجال
السياسي، بل تجاوزه إلى المؤسسات الدستورية. المجلس الاقتصادي والاجتماعي والبيئي
بدوره انتقد صراحة المواد المقترحة، معتبرا أنها تتعارض مع روح الدستور المغربي،
وتفرغ النيابة العامة من صلاحياتها في مواجهة الفساد المالي، كما تقيّد أدوار
المجتمع المدني المنصوص عليها في الفصل 12.
ردود الفعل الغاضبة لم تكن مفاجئة،
خصوصا أن هذه المواد تجعل من التبليغ عن الفساد امتيازا محصورا في يد السلطة،
وتحاصر الجمعيات المدنية بإجراءات تعجيزية، كالاشتراط المسبق بالحصول على إذن من
وزارة العدل. وهو ما رآه متتبعون تكريسا لمنطق التحكم الإداري في من يجب أن يُسمع
صوته ومن يجب إسكات صرخته.
في ظل هذا السجال، يبقى السؤال
الجوهري: هل تراجُع "التقدم والاشتراكية" عن تعديلاته هو خضوع لضغوط
سياسية أو اصطفاف مصلحي؟ أم هو مجرد حسابات تقنية خاطئة في توقيت حساس؟ الأكيد أن
الثقة في الخطاب المعارض تتعرض اليوم لاهتزاز كبير، خاصة حين يتطابق السلوك
البرلماني مع نزوعات تُغلق باب العدالة في وجه المجتمع وتشرعن صمت المؤسسات.
لا توجد تعليقات:
للأسف، لا توجد تعليقات متاحة على هذا الخبر حاليًا.
أضف تعليقك