أنتلجنسيا المغرب:أحمد الهيلالي
في مشهد سياسي غير مسبوق من حيث التوقيت والحدة، تعيش الساحة الحزبية المغربية على وقع حرب صامتة ـ وأحيانًا معلنة ـ بين مكونات الأغلبية الحكومية الحالية، قبل أكثر من عام على موعد انتخابات 2026، التي يُنتظر أن تُفرز ما بات يُعرف بـ"حكومة المونديال"، تزامنًا مع الاستعدادات الكبرى التي يعرفها المغرب لاستضافة كأس العالم 2030.
ورغم أن التحالف الحكومي الذي يجمع حزب التجمع الوطني للأحرار، وحزب الاستقلال، وحزب الأصالة والمعاصرة، ظل محافظًا على واجهة الانسجام، إلا أن كواليس السياسة تنقل صورة مغايرة تمامًا: سباق محموم على الزعامة، ومواجهات تحت الطاولة بين الحلفاء قبل الخصوم.
بداية النهاية للتحالف الثلاثي؟
منذ تشكيل حكومة عزيز أخنوش في 2021، برزت الكثير من علامات التصدع داخل "التحالف الثلاثي"، خصوصًا مع تصاعد الطموحات الفردية لكل من نزار بركة (الاستقلال) وعبد اللطيف وهبي (البام)، في وقت يسعى فيه أخنوش للاحتفاظ بقيادة الحكومة لدورة ثانية، اعتمادًا على شبكة المال والنفوذ الانتخابي التي بنى بها انتصاره السابق.
التحركات الميدانية للقيادات الحزبية الثلاث تعكس حالة من الاستعداد المبكر للمعركة القادمة، حيث بدأ كل حزب في تعزيز حضوره التنظيمي والانتخابي، وتحريك قواعده في الأقاليم، والتسويق لبرنامجه "المستقل"، رغم أنه مشارك في الحكومة الحالية. في هذا السياق، تُطرح تساؤلات جوهرية حول مدى قدرة هذا التحالف على الاستمرار حتى نهاية الولاية، وهل سيتمكن من خوض الاستحقاقات المقبلة بنفس التماسك الظاهري، أم أن الانفجار بات وشيكًا؟
صراع البرامج أم صراع المواقع؟
على الرغم من أن النقاشات المعلنة تركز على اختلافات في التوجهات الاقتصادية والاجتماعية، إلا أن الواقع يُظهر أن الخلافات تدور أساسًا حول المواقع، وتقاسم النفوذ، وقيادة المرحلة المقبلة. حزب الاستقلال، الذي يعاني من تآكل تقليدي في قاعدته الانتخابية، يحاول استعادة بريقه التاريخي من خلال خطاب اجتماعي أقرب إلى المعارضة، رغم وجوده في قلب الحكومة. أما حزب الأصالة والمعاصرة، فرغم شغور منصب أمينه العام في المشهد العام بعد تراجع وهبي عن الأضواء، فإن قياداته الجهوية تبني لنفسها مراكز قوة انتخابية مستقلة عن حلفائها في الحكومة.
في المقابل، يبدو حزب الأحرار، بقيادة أخنوش، عازمًا على مواصلة التحكم في مفاصل السلطة التنفيذية، مستفيدًا من موارد الدولة وآلة انتخابية قوية، رغم الانتقادات الشعبية الواسعة التي واجهها بسبب تدهور القدرة الشرائية وارتفاع الأسعار.
المعارضة تراقب وتنتظر الانقضاض
الأحزاب المعارضة، وعلى رأسها العدالة والتنمية، والاتحاد الاشتراكي، واليسار، تتابع هذا التوتر الداخلي داخل الحكومة بكثير من الأمل، في أفق استثمار أي تصدع محتمل لإعادة التموقع السياسي. ورغم ضعف الحضور الميداني للمعارضة منذ انتخابات 2021، إلا أن الخطاب الشعبوي، وارتفاع منسوب الاحتقان الاجتماعي، والتذمر من أداء حكومة أخنوش، كلها عوامل تمنح خصوم الأغلبية ورقة قوة في مواجهة ما يعتبرونه "ائتلاف مصالح لا ائتلاف رؤى".
هل يقود الملك تحولا في المشهد الحزبي؟
في ظل تعثر الأداء الحكومي، وتنامي الانتقادات الشعبية، ومع اقتراب موعد الاستحقاقات الكبرى المرتبطة بتنظيم المونديال، يتساءل مراقبون إن كانت المؤسسة الملكية ستتدخل من جديد لإعادة ترتيب المشهد الحزبي، وتشكيل حكومة كفاءات أو حكومة وحدة وطنية إذا فشلت النخب السياسية في تأمين الحد الأدنى من الاستقرار والفعالية.
الرهان على انتخابات 2026 يتجاوز التنافس الحزبي، ليُصبح رهانًا على مستقبل النموذج السياسي المغربي، ومدى قدرته على تحقيق تطلعات الجيل الجديد من المواطنين الذين فقدوا الثقة في الوعود والشعارات. وإذا لم تُقدم الأحزاب الكبرى برامج واقعية ومصداقية سياسية، فإن نسب العزوف قد ترتفع، ما يفتح الباب أمام مفاجآت سياسية غير محسوبة.
"حكومة المونديال": بين التحدي التنموي والمعركة السياسية
لا شك أن المرحلة المقبلة تتطلب قيادة حكومية قوية وقادرة على تدبير أوراش ضخمة، مثل التحضير لتنظيم كأس العالم 2030، واستكمال المشاريع الكبرى في البنية التحتية، والتعليم، والصحة. غير أن الصراع الداخلي بين أحزاب الأغلبية قد يُربك هذا المسار، ويُفرغه من معناه، إذا طغت الحسابات الانتخابية على منطق الدولة.
الأسابيع والأشهر المقبلة ستكون حاسمة في رسم معالم الطريق إلى انتخابات 2026. فإما أن تستمر الأغلبية في شراكتها إلى النهاية، أو يشهد المغرب تحولات مفاجئة تخلط أوراق الجميع. وفي كل الحالات، يبدو أن "حكومة المونديال" لن تكون مجرد استحقاق انتخابي عادي، بل لحظة مفصلية لاختبار مدى نضج التجربة الديمقراطية المغربية، وقدرة الأحزاب على تجاوز الحسابات الضيقة لصالح مصلحة البلاد.
لا توجد تعليقات:
للأسف، لا توجد تعليقات متاحة على هذا الخبر حاليًا.
أضف تعليقك