أنتلجنسيا المغرب:أيوب الفاتيحي
في خطوة وُصفت بالرجعية والخطيرة على مسار الشفافية والنزاهة، صادق مجلس النواب على تعديل تشريعي مثير للجدل يمنع الجمعيات المدنية من التقدّم بشكاوى أمام القضاء بخصوص جرائم الفساد ونهب المال العام، وهو ما أثار موجة من الاستنكار وسط الهيئات الحقوقية وعدد من الفاعلين السياسيين والمدنيين، الذين اعتبروا أن الأغلبية الحكومية وجّهت بذلك ضربة قاسية لدور المجتمع المدني في الرقابة والمساءلة.
القانون الجديد، الذي أُمر بتمريره بهدوء وفي سياق سياسي متوتر، يأتي لينهي سنوات من التراكم الحقوقي التي جعلت من بعض الجمعيات الفاعل الأول في فضح ملفات الفساد في عدد من الجماعات والمؤسسات العمومية. إذ كانت تلك الجمعيات، وعلى رأسها الهيئة الوطنية لحماية المال العام والجمعية المغربية لحماية المال العام، قد ساهمت في تحريك عدد من الملفات الكبرى أمام القضاء، مما أحرج لوبيات نافذة وجعل من العمل الجمعوي في هذا المجال رقماً صعباً لا يمكن تجاوزه.
غير أن الأغلبية الحكومية، وفي مقدمها حزب التجمع الوطني للأحرار، دافعت عن التعديل بذرائع تقنية، معتبرة أن الحق في تقديم الشكاوى يجب أن يقتصر على المتضرر المباشر أو النيابة العامة، ما اعتبره منتقدو التعديل محاولة لإفراغ العمل الجمعوي من بعده الرقابي وتحجيمه داخل قوالب شكلية لا تعكس حيويته وتأثيره في الحياة العامة.
المعارضة البرلمانية لم تفوّت الفرصة لتوجيه انتقادات لاذعة للأغلبية، متهمة إياها بالسعي إلى "تحصين الفساد" بدل محاربته، والتضييق على أصوات المجتمع المدني في وقت تعرف فيه البلاد أزمة ثقة متفاقمة بين المواطنين والمؤسسات. كما حذّرت فعاليات حقوقية من أن هذا القرار يُشكل انتكاسة حقيقية ويهدد بعودة ثقافة الإفلات من العقاب، خصوصاً في ظل ضعف آليات الرقابة المؤسساتية وتباطؤ بعض الجهات في تحريك ملفات الفساد.
من جهتهم، يرى نشطاء أن ما جرى هو جزء من توجه عام نحو تكميم المجتمع المدني المستقل وإقصائه من الأدوار الحيوية التي كان يضطلع بها، وخصوصاً في سياق الأزمة الاجتماعية والاقتصادية التي زادت فيها الحاجة إلى محاربة الفساد وحماية المال العام من النهب والتبديد.
في المحصلة، يبدو أن تمرير هذا التعديل لن يمر دون أن يترك أثراً عميقاً على صورة الحكومة في الداخل والخارج، في وقت تتزايد فيه الدعوات إلى تعزيز النزاهة والحكامة الجيدة، لا إلى تقليص مساحة الرقابة والمساءلة.
لا توجد تعليقات:
للأسف، لا توجد تعليقات متاحة على هذا الخبر حاليًا.
أضف تعليقك