أنتلجنسيا المغرب:أبو آلاء
في خطوة وصفتها بالمؤسساتية والضرورية لتنوير الرأي العام، أعلنت فرق المعارضة داخل مجلس النواب عن إطلاق مبادرة لتشكيل لجنة نيابية لتقصي الحقائق بشأن مختلف أشكال الدعم الحكومي الموجه لاستيراد المواشي ولقطاع تربية المواشي بشكل عام، وذلك على خلفية الجدل المتصاعد الذي رافق هذه التدابير منذ أواخر سنة 2022. ووفق بلاغ مشترك صادر عن "الفريق الحركي"، و"فريق التقدم والاشتراكية"، و"المجموعة النيابية للعدالة والتنمية"، فإن هذا التحرك يأتي استجابةً لسيل من التساؤلات والشكوك التي أثارها الرأي العام حول طريقة تدبير هذه الإعفاءات والدعم، وخاصة ما يرتبط بالإعفاء من الرسوم الجمركية وتحمل الدولة للضريبة على القيمة المضافة عند الاستيراد، إلى جانب الدعم المباشر الذي تم تقديمه لمستوردي الأغنام المخصصة للذبح خلال عيدي الأضحى لسنتي 2023 و2024.
ورغم أن الحكومة سبق ووصفت هذه الإجراءات بالضرورية لضمان استقرار أسعار اللحوم في الأسواق، فإن المعارضة تثير اليوم أكثر من علامة استفهام حول الشفافية والفعالية والجدوى، خصوصاً أن كلفة هذه البرامج بلغت، حسب التقديرات، مليارات الدراهم من أموال دافعي الضرائب. وتكمن الخطورة، حسب المصدر ذاته، في غياب أي معطيات دقيقة أو تقييم رسمي يحدد مدى تحقق الأهداف المُعلنة، سواء على مستوى استقرار الأسعار أو على مستوى دعم الفلاحين الصغار والمنتجين المحليين. كما يتساءل النواب المعارضون عن هوية المستفيدين الفعليين من هذه الامتيازات، وما إذا كانت هذه التدابير قد وُجِّهت فعلاً نحو الفئات المستحقة، أم أنها صبّت في صالح جهات محدودة تتمتع بقرب سياسي أو اقتصادي من مراكز القرار.
الجدل لا يقتصر فقط على الأرقام، بل يمتد إلى المساطر والإجراءات المتخذة، حيث تعتبر المعارضة أن غياب الشفافية في منح هذه الإعفاءات والدعم يُثير مخاوف حقيقية من وجود اختلالات، وربما حتى شبهات في توزيع المنافع بشكل غير متكافئ. كما عبرت هذه الفرق عن تخوفها من أن تتحول برامج الدعم إلى أدوات ريعية لا تُسهم سوى في تعميق الفوارق، بدل أن تعزز العدالة الاجتماعية وتحمي القدرة الشرائية للمواطنين. وبحسب المعطيات المتداولة، فإن الدعم الحكومي شمل، إلى جانب الامتيازات الضريبية، تغطية نفقات نقل المواشي من الخارج، مما يزيد من حجم الكلفة الإجمالية التي تحملتها خزينة الدولة، دون أن يكون هناك أثر واضح على أسعار السوق أو على انتعاش سلاسل الإنتاج المحلية.
المعارضة تؤكد أن هدفها من هذا التحقيق البرلماني ليس فقط الكشف عن التجاوزات المحتملة، بل أيضاً الدفع في اتجاه تقييم شامل للسياسات العمومية ذات الصلة، ومساءلة الحكومة حول مدى التزامها بتوجيه الدعم نحو ما يخدم فعلاً المصلحة العامة. كما دعت مكونات المعارضة باقي فرق مجلس النواب، سواء من الأغلبية أو المعارضة، إلى دعم هذه المبادرة باعتبارها مدخلاً لتفعيل الرقابة البرلمانية كما ينص عليها الدستور، ومناسبة لإعادة النقاش حول شفافية المال العام ومعايير الحكامة الجيدة في تدبير الدعم العمومي.
في ظل هذا السياق، يتوقع أن تعيد هذه المبادرة البرلمانية النقاش إلى الواجهة حول العلاقة بين القرار السياسي والمصالح الاقتصادية، خصوصاً وأن تربية المواشي تعتبر قطاعاً استراتيجياً في المغرب، يؤثر بشكل مباشر على الأمن الغذائي وعلى وضعية الآلاف من الأسر القروية. كما تطرح هذه الخطوة أسئلة حرجة حول نجاعة التدخلات الحكومية ومدى انسجامها مع الخطابات الرسمية التي تتحدث عن الترشيد ومحاربة الريع ودعم الفئات الهشة.
الملف مفتوح، والتقصي قد يكشف ما هو أبعد من مجرد دعم للمواشي، ليصل إلى عمق السياسات العمومية التي تنفَّذ باسم المواطن، ولكن قد لا تكون دائماً في صالحه.
لا توجد تعليقات:
للأسف، لا توجد تعليقات متاحة على هذا الخبر حاليًا.
أضف تعليقك