أنتلجنسيا المغرب:ياسر اروين
مع اقتراب موعد الانتخابات التشريعية لعام 2026، تتصاعد التوقعات بشأن مستقبل المشهد السياسي المغربي، وسط مؤشرات واضحة على أن التحالف الحاكم، المكون من حزب التجمع الوطني للأحرار، والأصالة والمعاصرة، وحزب الاستقلال، يسير بخطى ثابتة نحو اكتساح جديد للبرلمان، رغم السخط الشعبي المتزايد وضعف المعارضة، مما يعيد إلى الأذهان سيناريو انتخابات 2021، حيث تمكن هذا التحالف من الإطاحة بحزب العدالة والتنمية واكتساح المقاعد البرلمانية.
ورغم أن قطاعات واسعة من المغاربة تعبر عن استيائها من استمرار نفس التحالف في الحكم، إلا أن المعطيات على الأرض تكشف أن المعارضة غير قادرة على تشكيل بديل قوي، ما يجعل الأحزاب الثلاثة الحاكمة في موقع قوة، ويجعل من سيناريو فوزها بأغلبية جديدة أمراً أكثر احتمالاً مما قد يظنه البعض.
التحالف الحكومي..بين إخفاقات التسيير وقوة الماكينة الانتخابية
منذ توليه السلطة في 2021، واجه التحالف الحاكم انتقادات شديدة بسبب ارتفاع الأسعار، وغياب سياسات ناجعة لمعالجة التفاوت الاجتماعي، وتدهور القدرة الشرائية للمغاربة. غير أن هذه العوامل، التي من المفترض أن تؤدي إلى تراجع شعبية الأحزاب الثلاثة، لم تقابلها معارضة حقيقية قادرة على استثمار هذا الغضب الشعبي في بناء بديل سياسي مقنع، وهو ما يعزز فرص استمرار الوضع الحالي.
ويعود ذلك إلى عدة أسباب، من أبرزها القوة التنظيمية والمالية للحزب الأغلبي، التجمع الوطني للأحرار، الذي يعتمد على شبكات قوية من رجال الأعمال والمؤثرين، بالإضافة إلى هيمنة الأصالة والمعاصرة على مناطق رئيسية في المغرب، واستفادة حزب الاستقلال من قاعدته التقليدية، مما يجعل هذه الأحزاب الثلاثة تتحكم في أدوات التعبئة الانتخابية بشكل يصعب على المنافسين مجاراته.
ورغم أن بعض الأحزاب في المعارضة تحاول استثمار الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية للتأثير على الرأي العام، إلا أن عدم قدرتها على تقديم بدائل واضحة ومقنعة يجعل الكثير من الناخبين غير مقتنعين بجدوى التصويت ضد التحالف الحالي، خاصة في ظل تراجع ثقة المغاربة في قدرة الأحزاب السياسية على إحداث تغيير حقيقي في حياتهم اليومية.
المعارضة..انقسامات وضعف في الخطاب السياسي
في الوقت الذي تتجه فيه الأحزاب الحاكمة، نحو تعزيز مواقعها قبل انتخابات 2026، تعاني المعارضة من تفكك داخلي وانقسامات حادة، تجعلها غير قادرة على تشكيل جبهة موحدة ضد الأغلبية الحالية. فحزب العدالة والتنمية، الذي كان القوة المعارضة الرئيسية منذ 2021، لا يزال يعاني من تداعيات هزيمته الكبيرة في الانتخابات الأخيرة، ولم يتمكن بعد من استعادة زخمه السياسي، رغم محاولاته العودة إلى الساحة عبر استغلال الملفات الاجتماعية والاقتصادية.
أما الأحزاب الأخرى، مثل الاتحاد الاشتراكي والتقدم والاشتراكية، فهي غير قادرة على تقديم رؤية موحدة، وتعاني من ضعف التنظيم الداخلي، وقلة الموارد، وانخفاض التأثير الشعبي، ما يجعلها غير قادرة على منافسة التحالف الحكومي بشكل جدي.
وبالإضافة إلى ضعف التنظيم، فإن المعارضة تعاني أيضًا من غياب خطاب سياسي مقنع وجذاب، حيث يقتصر أداؤها على انتقاد سياسات الحكومة دون تقديم بدائل حقيقية، ما يجعل الناخبين غير متحمسين للالتفاف حولها كخيار جدي للتغيير.
رغم الغضب الشعبي..لماذا قد يعيد المغاربة انتخاب نفس التحالف؟
يبدو من المفارقة، أن العديد من المغاربة الذين يعبرون عن استيائهم من أداء الحكومة الحالية، قد يجدون أنفسهم مضطرين مرة أخرى إلى العزوف عن التصويت أو حتى منح أصواتهم لنفس التحالف الحاكم، والسبب في ذلك يعود إلى عدة عوامل مترابطة:
ضعف البدائل المطروحة من المعارضة، حيث لا توجد قوة سياسية قادرة على إقناع الناخبين بأنها تستطيع إدارة الأمور بشكل أفضل.
النفوذ الاقتصادي والانتخابي للأحزاب الحاكمة، التي تمتلك شبكات واسعة من النفوذ المحلي، مما يضمن لها قاعدة انتخابية مستقرة.
غياب حركات احتجاجية مؤثرة على الأرض، حيث لم تتمكن الاحتجاجات الشعبية ضد الغلاء وتراجع مستوى المعيشة من التحول إلى حراك سياسي منظم قادر على الضغط لإحداث تغيير حقيقي.
التأثير القوي للآلة الانتخابية للأحزاب الحاكمة، التي تعتمد على استراتيجيات متقدمة في الدعاية والتواصل السياسي، إضافة إلى شبكة قوية من المصالح الاقتصادية والاجتماعية.
2026..انتخابات محسومة مسبقًا أم مفاجآت محتملة؟
مع كل هذه العوامل، يبدو أن انتخابات 2026 قد تكون أقرب إلى إعادة إنتاج لسيناريو 2021، حيث تواصل الأغلبية الحكومية بسط سيطرتها على المشهد السياسي، بينما تبقى المعارضة في موقع ضعيف.
غير أن هناك متغيرات قد تؤثر في سير الانتخابات، مثل احتمال ظهور حركات سياسية أو احتجاجية جديدة، أو بروز شخصيات قادرة على إعادة إحياء الأمل في التغيير، وهو ما قد يخلط الأوراق في اللحظات الأخيرة.
لكن حتى ذلك الحين، يبقى السؤال الأهم: هل سيقبل المغاربة بمشهد سياسي مستنسخ لعام 2021، أم أن هناك تحولات غير متوقعة قد تعيد خلط الأوراق في 2026؟ الأيام المقبلة كفيلة بالإجابة عن هذا التساؤل المصيري.
لا توجد تعليقات:
للأسف، لا توجد تعليقات متاحة على هذا الخبر حاليًا.
أضف تعليقك