
أنتلجنسيا المغرب: أبو ملاك
فقدت الساحة الفنية المغربية، اليوم
الثلاثاء بالدار البيضاء، أحد أبرز رموزها، برحيل الفنان القدير عبد القادر مطاع
عن عمر ناهز 85 سنة، بعد مسيرة زاخرة بالعطاء والإبداع امتدت لأكثر من ستة عقود،
وخلّف خلالها إرثًا فنيًا غزيرًا وبصمة خالدة في ذاكرة الأجيال.
الراحل مطاع، الذي شكل أحد أعمدة
المسرح والسينما والتلفزيون في المغرب، عاش فنانًا استثنائيًا أحب الفن حتى آخر
أنفاسه، وارتبط اسمه لدى الجمهور المغربي بأدوار خالدة ومؤثرة لا تُنسى، لما اتسم
به أداؤه من صدق وحس إنساني عميق.
بدأت رحلة مطاع في مطلع ستينيات القرن
الماضي من بوابة “فرقة المعمورة”، التي كانت آنذاك مدرسة لتكوين جيل من الممثلين
الذين وضعوا أسس المسرح المغربي الحديث، قبل أن يلفت الأنظار بصوته المميز في فرقة
التمثيل التابعة لدار الإذاعة والتلفزة المغربية، حيث كان حضوره أمام الميكروفون
لا يقل قوة عن حضوره فوق الخشبة أو أمام الكاميرا.
وفي السينما، أطلّ الراحل لأول مرة في
تحفة المخرج حميد بناني “وشمة” سنة 1970، وهو العمل الذي صنّف من بين روائع
السينما المغربية، ليواصل بعده مسارًا حافلًا بأدوار متنوّعة بين الكوميديا
والدراما، جسّد فيها ببراعة عوالم الإنسان المغربي البسيط في صراعه مع الحياة.
أما في التلفزيون، فقد ارتبط اسمه
بشخصية “الطاهر بلفرياط” في المسلسل الشهير “خمسة وخميس” سنة 1987، وهو الدور الذي
رسّخ حضوره في وجدان المغاربة، لما جمع بين خفة الظل والعمق الإنساني، ليصبح بعدها
أحد الوجوه المحبوبة التي واكبت تطور الدراما المغربية لعقود.
وإلى جانب “خمسة وخميس”، تألق مطاع في
سلسلة طويلة من الأعمال التي صنعت مجده الفني، من بينها “ستة من ستين”، “ذئاب في
الدائرة”، “أولاد الناس”، “دواير الزمان”، “يوم ما يشبه يوم”، و”دموع الرجال”، وهي
أعمال جسدت ملامح فنان من طينة نادرة جمع بين الموهبة والتواضع.
وفي رصيده السينمائي، برز في أفلام
“البانضية” سنة 2003، و”لعب مع الذئاب” سنة 2005، و”كلاب الدوار” سنة 2010، ليبرهن
على قدرته على تجسيد أدوار مركبة بعفوية وإتقان، جعلته يحظى بتقدير النقاد وحب
الجماهير.
رحيل عبد القادر مطاع لا يُعد خسارة
لعائلته الفنية فقط، بل فاجعة لوجدان أمةٍ رأت فيه مرآة صادقة لروح المغرب، ورمزًا
لجيل من الفنانين الذين صنعوا الفن بالمشاعر قبل الإمكانيات، وبالإصرار قبل
الأضواء.
وبرحيله، يطوى فصل من أجمل فصول
الإبداع المغربي، ويبقى صدى صوته وأداؤه شاهديْن على مسيرة رجل عاش للفن وأخلص له،
فاستحق مكانته في الذاكرة الوطنية كواحد من كبار الممثلين الذين كتبوا أسماءهم
بحروف من وفاء وجمال.
لا توجد تعليقات:
للأسف، لا توجد تعليقات متاحة على هذا الخبر حاليًا.
أضف تعليقك