في إطار الدعوة الى إرساء أخلاقيات للإعلام الحر

في إطار الدعوة الى إرساء  أخلاقيات للإعلام الحر
مقالات رأي / السبت 04 أكتوبر 2025 - 13:40 / لا توجد تعليقات:

تهنئه بمناسبه ذكرى عيد الشباب المجيد

بقلم : الدكتور محمد أحدو

الإعلام والمجتمع : بين التوعية البناءة ومخاطر تأجيج الاوضاع

​يمر المشهد الإعلامي العالمي بتحول جذري في زمن ثورة الانفوميديا (Infomedia)، حيث أصبحت صور الهواتف والمنابر الإعلامية الجديدة والناشطون خارج الأطر التنظيمية التقليدية قوة لا يستهان بها في تشكيل الوعي العام وتوجيه الحركات الاجتماعية. هذا التطور، بالرغم من إيجابياته الهائلة في كسر الاحتكار وإتاحة المعلومة للجميع، يفرض تحدياً أخلاقياً ومهنياً كبيراً. إن رسالة الإعلام النبيلة والأساسية يجب أن تكون دوماً في خدمة الصالح العام عبر التنوير والتحقيق، لا التحريض والتضليل.

​لقد أثبتت التكنولوجيا الحديثة أن لكل مواطن كاميرا ومنصة  بث  ، مما أفرز قوة إعلامية جديدة يطلق عليها البعض اسم  "صحافة المواطن"  ذات حدين في سياق الحركات الاجتماعية  والاحتجاجات . فمن جهة، ساهمت هذه الأدوات في توثيق الوقائع بشكل فوري وكشف الحقائق، وساعدت في توعية الجماهير بأبعاد قضاياها، مما عزز التضامن لدفع عجلة التغيير السلمي. هذه هي القوة الإيجابية للإعلام الحر في بناء الوعي الجماعي. ويؤكد المختصون، أن الإعلام يمثل قوة فعالة في تحقيق التغيير والتطور، بل ويصفونه بأنه "جسر يربط بين حياة الأفراد الخاصة والعالم الكبير"، مشددين على دوره في تنمية الوعي السياسي وتشكيل المدركات.

​ومن جهة أخرى، نجد الوجه السلبي الذي يهدد استقرار المجتمع، حيث تتحول الأزمات إلى بيئة مثالية لـ صناعة الشائعات والأخبار الكاذبة التي تستهدف عواطف الجمهور. هذه الرسائل المضللة يتم صياغتها بدقة لتصعيد التوترات وإحداث بلبلة في المجتمع. كما أن هذه المنابر قد تُستغل من قبل بعض الأطراف لـ توجيه خطاب تحريضي يغذي الكراهية ويدفع بالحركات السلمية نحو العنف والفوضى. ويتقاطع هذا التحذير مع رؤى الخبراء حول مسـاوئ الإعـلام الجـديـد، ومخاطره الأمنية المتعلقة بـ نشر ثقافة العنف وإشاعة الفوضى، مما يؤدي إلى تآكل الثقة والمصداقية في ظل انتشار التضليل وصعوبة تحديد المسؤولية في البيئة الرقمية.

​إن المعيار الفاصل بين الإعلام البناء والإعلام المدمر هو الالتزام بـ المسؤولية الأخلاقية والمهنية. فالرسالة الحقيقية للإعلام تكمن في تحري الدقة والموضوعية والتحقق من مصادر المعلومات قبل نشرها. فالمختصون في أخلاقيات الإعلام يشددون على ضرورة التزام وسائل الإعلام بـ الدقة، التوازن، والمصداقية في التغطية الشاملة والمتكاملة للأحداث.

لا يكفي أن ينقل الإعلام مشهد الاحتجاج، بل يجب أن يتعمق في جذور المشكلة ويشرح أبعادها المختلفة بطريقة متوازنة، ويفتح مساحات للنقاش البنّاء واقتراح الحلول. كما يجب عليه أن يساهم في تثقيف الجمهور ليصبح متلقياً ناقداً وواعياً، قادراً على فرز المحتوى وتحديد الرسائل التي تهدف للتوعية وتلك التي تهدف للتأجيج، وهي مسؤولية أخلاقية تقع على عاتق الأفراد أيضاً للتأكد من صحة ما ينشرونه.

​في الختام، إن صور الهواتف الحرة والمنابر الإعلامية المتاحة هي أدوات قوية، ولكنها تظل بلا قيمة أخلاقية ما لم تُوجّه ببوصلة خدمة المجتمع. فبناء مجتمع واعٍ ومتماسك يتطلب من جميع الفاعلين الإعلاميين التزاماً صارماً بـ ميثاق شرف يجعل التوعية والتحسيس هدفها الأسمى، ليتحول الإعلام إلى قوة دافعة للتنمية والإصلاح الاجتماعي السلمي، بدلاً من أن يكون وقوداً للفتنة.

لا توجد تعليقات:

للأسف، لا توجد تعليقات متاحة على هذا الخبر حاليًا.

أضف تعليقك