حين يتمنى المواطن زهر الكلاب وجب في حق كل مسؤول سارق العقاب

حين يتمنى المواطن زهر الكلاب وجب في حق كل مسؤول سارق العقاب
مقالات رأي / الاثنين 15 سبتمبر 2025 - 12:37 / لا توجد تعليقات:

تهنئه بمناسبه ذكرى عيد الشباب المجيد

أنتلجنسيا المغرب: فهد الباهي/م.إيطاليا

قبل أيام قليلة، انفجرت مواقع التواصل الاجتماعي بخبر عجيب وغريب، عن كلب أو كلبة انطلق من مدينة زاكورة خلف سائحة وزوجته ليقررا أخده معهما ويعبر الحدود ويصل إلى إنجلترا، ليتحول إلى نجم حديث المغاربة بين ليلة وضحاها.

تضاربت الأقوال حول جنسه، هل هو ذكر أم أنثى، لكن الحقيقة التي لم يختلف حولها أحد أن هذا الحيوان صار أكثر حظا من مواطن مغربي يتمنى الخلاص من واقع مرير، القضية لم تبق مجرد خبر طريف بل هي صرخة موجعة تعبّر عن حالة مجتمع منهك من التهميش والفقر  والظلم والعذاب اليومي في كل ركن وزاوية...

السخرية التي غمرت "فيسبوك" وباقي التطبيقات لم تكن مجرد نكتة عابرة، بل كانت مرآة لجرح غائر في وعي الناس، فالمغاربة أطلقوا العنان للتعليقات، بعضهم تمنى صراحة أن يحظى بـ"زهر الكلب"، وآخرون صبّوا جام غضبهم على واقع لا يمنح لهم حتى أبسط حقوق العيش الكريم، حين يصبح الحيوان رمزا للحرية والهروب من القيود، فإننا نكون أمام معضلة أخلاقية واجتماعية وسياسية تستدعي وقفة حقيقية.

القصة تكشف بوضوح زيف الشعارات التي تُرفع صباح مساء عن العدالة الاجتماعية، تكشف كذب المؤسسات الرسمية التي تبيع الوهم للمواطنين عبر وسائل الإعلام الموالية، والممولة من جيوب دافعي الضرائب الفقراء، هذه المنابر التي تحولت إلى أبواق تلميع وتبرير، بدل أن تكون ضميرا للمجتمع، صارت مثل "كوافورات" الحكومات، تزين الكذب وتجمّل القبح وتغطي على الخراب الذي يعيشه المواطنون، والمواطن البسيط لم يعد يصدق هذه المساحيق، بل يرى الواقع بأم عينه، واقع يفرض عليه أن يحسد كلبا صار مهاجرا بدل أن يحلم بوطن كريم.

أليس من الأولى أن تُبنى المدارس بدل أن تُهدم كرامة التلاميذ في حجرات مهترئة بلا مقاعد ولا أساتذة؟

أليس من الواجب أن تُشيد المستشفيات قبل أن يُصرف المال العام على ملاعب ترفيهية ومسارح خاوية؟

أليس من العدل أن يجد المريض دواء في صيدلية المستشفى العمومي بدل أن يواجه الموت على سرير بارد بلا تجهيزات؟

أسئلة مؤلمة لكنها تصرخ في وجه كل مسؤول غارق في الامتيازات والسيارات الفارهة والسفريات على حساب شعب مسحوق.

الغلاء ينهش القدرة الشرائية للمغاربة، الخضر والملابس والدواء صارت حلما بعيد المنال، المدارس العمومية تنهار، الجامعات بلا بحث علمي، المستشفيات تتحول إلى مقابر بطيئة، والفساد ينخر الإدارة والقضاء والشرطة والمؤسسات العمومية، الزبونية والمحسوبية أضحت شعارا عادي، "قرص ومكل"، كل هذا جعل المواطن المغربي يشعر بالمهانة، يشعر بالحكرة، يشعر بأنه غريب في وطنه، وأن لا قيمة له أمام سلطة تحمي علية القوم وتدهس بسطاء الشعب.

طبعي أن يحلم المواطن ويتمنى حظ كلب للهجرة.

الخطر الأعظم أن يستمر التضليل، أن تُرفع شعارات براقة عن الحرية والعدالة والمساواة، بينما الواقع يصرخ بعكسها، هذا التناقض يصنع مواطنين فاقدين للثقة، فاقدين للأمل، ومجتمع بلا أمل هو مجتمع على حافة الانفجار، لقد تعب الشعب من الأكاذيب، من الخطابات المنمقة، من صور الزعماء المبتسمين على شاشات التلفاز بينما هم في الحقيقة يسرقون مستقبل الأجيال ويغرقون البلد في الديون ويرهنون مستقبل الأجيال القادمة ويلقون بهم إلى المصير المجهول.

هذه الخيانة المزدوجة، خيانة للوطن وخيانة للشعب، لا يمكن أن تستمر، فلا الإعلام المأجور ولا الحملات الدعائية قادرة على إخفاء الحقيقة، الحقيقة أن هناك فسادا ينهش الدولة، أن هناك مسؤولين راكموا الثروات على حساب جوع الناس، أن هناك قضاة باعوا ضمائرهم، أن هناك شرطة تبتز المواطنين بدل أن تحميهم، أن هناك برلمانا فقد استقلاليته وصار مجرد غرفة تسجيل لإملاءات السلطة والمال، الحاضرون نائمون، والغئبون مشغلون في مشاريعهم ويتخدون من البرلمان مقرات لقاءات للإستفادة من الصفقات ليس إلا.

المواطن المغربي لا يطلب المعجزات، يطلب فقط أن يُعامل كإنسان، أن يجد مدرسة تحفظ كرامة أبنائه، أن يجد مستشفى يعالجه حين يمرض، أن يجد وظيفة تحفظ له الحد الأدنى من الحياة الكريمة، لكن بدل ذلك يجد نفسه محاصرا بالرشوة والزبونية والمحسوبية، وبقوانين تُفصَّل على مقاس أصحاب النفوذ، ويقولون للفقير "لبس قدك يواتيك"، في مثل هذا المناخ يصبح من الطبيعي أن يحسد كلبا عبر البحر ليعيش حياة أفضل.

إن القصة ليست في الكلب ذاته، بل في دلالتها الرمزية، فهي اختزلت في لحظة واحدة شعورا جماعيا بالإهانة، وصارت أبلغ من كل الخطب والبرامج الحكومية، حين يضحك المواطن من "زهر الكلاب"، فإنه في الحقيقة يبكي على وطن جعل من الإنسان أدنى مرتبة من الحيوان، هذا الحادث لعله ناقوس خطر حقيقي، أو بمتابثة منبه حقيقي والتصريحات والتعليقات أبلغ من أي وقفات إحتجاجية أو مظاهرات أو إعتصامات.

لكن..أين ؟؟

في بلاد تحترم كرامة المواطنين وقداستهم .

اليوم نحتاج إلى وقفة رجل واحد، نحتاج إلى شجاعة جماعية لمواجهة الفساد والمفسدين، نحتاج إلى أن نقول "كفى" لكل مسؤول نهب مال الشعب، "كفى" لكل قاض خان العدالة، "كفى" لكل موظف مرتشي، "كفى" لكل مؤسسة تحولت إلى آلة تدمير بدل أن تكون وسيلة بناء، بدون عدالة حقيقية ومستقلة لن يكون هناك وطن آمن، نعيش مرحلة تدافع، والتدافع وهذا طبيعي، المهم أن يغنم الشعب خيرات الشعب.

البرلمان الذي لا يدافع عن الناس هو عبء على الشعب، القضاء الذي يبيع أحكامه هو جريمة في حق العدالة، الإعلام الذي يلمع الأكاذيب خائن لرسالته، والوزراء الذين يتنقلون بين الكراسي والامتيازات دون محاسبة ليسوا سوى عبء على هذا الوطن، المغرب بحاجة إلى رجال دولة حقيقيين، لا إلى تجار شعارات، رجال يغارون عليه وعلى كل شبر فيه من طنجة إلى الكويرة، فقط نحتاج إرادة وعزيمة، لا أن نصلي ونطلب حظ كلب .

حين يتمنى المواطن زهر الكلاب، فإنها ليست نكتة، بل إنذار أحمر، إعلان إفلاس سياسي واجتماعي وأخلاقي، إنها صرخة تقول: لقد تعب الشعب من الذل. إنها رسالة تقول: لم نعد نثق فيكم. إنها قنبلة موقوتة تنذر بأن القادم أخطر إن لم يتحقق التغيير، إن الاستمرار في نفس النهج لن يؤدي إلا إلى مزيد من اليأس والانفجار، السخرية الشعبية قد تبدو بريئة، لكنها أخطر من أي احتجاج، لأنها تكشف أن الناس فقدوا الأمل في الإصلاح وبدأوا يبحثون عن خلاص فردي حتى لو كان عبر الهجرة والهروب في قوارب الموت، أو عن طريق "زهر كلب" .

المطلوب اليوم هو ثورة حقيقية على الفساد، ثورة على الرداءة، ثورة على التفاهة التي تدعمها وزارة الثقافة وبعض الشركات الكبرى بينما يتم تهميش العلماء والمفكرين والمبدعين، الوطن لن ينهض بالغناء والرقص والتفاهة، بل بالعلم والمعرفة والعمل الجاد، إن بناء الملاعب الضخمة بدل المستشفيات المجهزة هو خيانة، تمويل المهرجانات بدل البحث العلمي هو جريمة، دعم العري والتفاهة بدل المفكرين والعلماء هو قتل متعمد للعقل المغربي، هذا النزيف يجب أن يتوقف، الشعب يريد مدرسة تربي أبناءه على القيم والمعرفة، يريد جامعة تنتج علماء، يريد مستشفى يحمي حياته، يريد إدارة تحترمه، يريد قضاء ينصفه.

هذه هي المطالب البسيطة التي حُرم منها لعقود.

المسؤول الذي عجز عن تلبية هذه المطالب البسيطة لا يستحق سوى المحاسبة والعقاب، المسؤول الذي سرق أموال الشعب يستحق المحاكمة، المسؤول الذي أهمل المواطن وأهان كرامته يستحق السقوط، الوطن لا يُبنى بالخطابات الفارغة بل بالمحاسبة الصارمة، حين يصل المواطن إلى مرحلة يتمنى فيها "زهر الكلاب"، فإن كل خطابات التنمية والوعود الانتخابية تصبح بلا قيمة، إنها لحظة الحقيقة التي تقول إن الكرامة ضاعت، وإن المسؤولية يجب أن تُحمل على أكتاف من سرقها، لقد آن الأوان لإعادة الاعتبار للإنسان المغربي، آن الأوان أن نُعيد بناء الثقة بين الدولة والمجتمع، آن الأوان أن نُوقف هذه المهزلة قبل أن ينفجر الوطن من الداخل، فالوطن ليس ملعبا ولا مهرجانا ولا شعارا انتخابيا، الوطن هو إنسان كريم يعيش بكرامة فقط .

حين يتمنى المواطن "زهر الكلاب"، فذلك ليس إلا صفعة على وجه كل مسؤول خان الأمانة، وصفارة إنذار تقول: حان وقت الحساب، ومن لا يريد أن يفهم هذه الرسالة فليستعد لمواجهة جيل خاسر للقيم والأخلاق والحقوق وهو قادم لا محالة، جيل هو نتيجة سياساتكم لم يعد لديه ما يخسره.

لا توجد تعليقات:

للأسف، لا توجد تعليقات متاحة على هذا الخبر حاليًا.

أضف تعليقك