بقلم:خالد أوباعمر
يبدو أن مشروع تعديل القانون الجنائي الذي يدافع عنه وزير العدل المغربي عبد اللطيف وهبي لا يستهدف فقط تخفيف الضغط عن المنتخبين، بل يتعدى ذلك إلى إعادة صياغة العلاقة بين مؤسسات المجتمع المدني ومؤسسات الدولة، في اتجاه يضع علامات استفهام كبرى حول مدى احترام الالتزامات الدستورية والقانونية للمملكة في مجال الحكامة ومحاربة الفساد.
لقد منح دستور فاتح يوليوز 2011، وخاصة في فصله الثاني عشر، للجمعيات المدنية أدوارًا جوهرية في تأطير المواطنات والمواطنين والمساهمة في إعداد وتفعيل وتقييم السياسات العمومية، وكذا إمكانية تقديم عرائض وشكايات للسلطات العمومية، بما في ذلك اللجوء إلى القضاء في قضايا تتعلق بالمصلحة العامة. وفي هذا السياق، راكمت بعض الجمعيات، وعلى رأسها الجمعيات المختصة بحماية المال العام، تجربة حقوقية وقانونية معتبرة في رصد شبهات تبديد المال العام وخرق مبادئ الشفافية والنزاهة.
غير أن التعديلات المقترحة من طرف وزير العدل تهدف، حسب ما صرح به بنفسه، إلى “حماية المنتخبين من الابتزاز“، معتبراً أن بعض الجمعيات تمارس ضغوطاً غير مشروعة على مسؤولين منتخبين. هذا الطرح لا تصمد وجاهته أمام المعطيات الإحصائية التي عرضها الوزير نفسه أمام البرلمان، والتي تؤكد أن عدد الشكايات التي قدمتها الجمعيات ضد منتخبين ضئيل جداً مقارنة بالعدد الإجمالي لهؤلاء.
الأخطر من ذلك أن مشروع وهبي لا يكتفي بتقييد الجمعيات، بل يسعى إلى الحد من صلاحيات النيابة العامة، في مخالفة صريحة للدور الموكول لها بموجب القانون التنظيمي المتعلق بها، والذي يقر باستقلالها التام عن السلطة التنفيذية، ويدعوها إلى التحرك تلقائياً في قضايا الفساد متى توفرت المعطيات الجدية. إن تقييد يد النيابة العامة في هذا الباب يشكل تقهقراً خطيراً في مسار العدالة الجنائية وتراجعا عن روحية الدستور.
مؤسسات الحكامة، مثل المجلس الوطني لحقوق الإنسان، والمجلس الاقتصادي والاجتماعي والبيئي، والهيئة الوطنية للنزاهة والوقاية من الرشوة ومحاربتها، لطالما شددت على ضرورة دعم أدوار المجتمع المدني كفاعل مكمل لمؤسسات الدولة في رصد مظاهر الفساد وتعزيز الشفافية. وقد أوصت هذه الهيئات في مناسبات مختلفة بتوسيع صلاحيات الجمعيات في تتبع قضايا الفساد والريع السياسي، وليس تقليصها.
كما أن الخطابات الملكية، لا سيما تلك التي تطرقت لإصلاح العدالة وتخليق الحياة السياسية، أكدت مرارًا على دور المجتمع المدني كرافعة للديمقراطية التشاركية. فهل من المقبول في ظل هذه التوجيهات الاستراتيجية أن يتم تمرير تعديلات تكرّس نوعًا من الحصانة غير المعلنة للمنتخبين وتُفرغ مقتضيات الدستور من مضامينها؟
ما يقوم به وزير العدل اليوم ليس مجرد تعديل تقني لقانون جنائي، بل هو خطوة سياسية لها آثار عميقة على التوازن بين السلطة والمجتمع، بين من يُفترض أن يُحاسب ومن يُفترض أن يُمارس الرقابة. ولذلك، فإن الدفاع عن حق الجمعيات في اللجوء إلى القضاء، وعن صلاحيات النيابة العامة في محاربة الفساد، ليس فقط دفاعًا عن مقتضيات قانونية، بل هو دفاع عن جوهر التعاقد الدستوري الجديد الذي تأسس بعد حراك 2011، والذي لا يجب أن يُختزل إلى مجرد شعارات انتخابية أو مرافعات سياسية ظرفية.
لا توجد تعليقات:
للأسف، لا توجد تعليقات متاحة على هذا الخبر حاليًا.
أضف تعليقك